من المؤكد أن كيان الاحتلال بات فى عزلة دولية محققة في ظل سلوك حكومة نتنياهو العدوانية التى تسعى بكل الطرق لتحقيق مصالحها ومخططاتها وأحلامها مهما كانت الأمور ومهما كانت الخسائر حتى ولو كان ذلك على حساب إسرائيل نفسها وهذا ظهر جليا في تعنت نتنياهو الواضح وتخريبه لمسار التفاوضات أكثر من مرة وإصراره على أعمال الإبادة في حق الفلسطينين سواء بقتل الأطفال والنساء والشيوخ ولم يكتف بـ 40 ألف شهيد فلسطيني أكثرهم من الأطفال والنساء، ولم يكتف بنحو 100 ألف مصاب وجريح ولا بعشرات المقابر الجماعية ولا بقتل عشرات الصحفيين وتكميم الأفواه ولا بتسميم الأراضى الزراعية واقتلاع أشجار الزيتون وتدمير كل مقومات الحياة في غزة والضفة، وباستمراره في تقطيع أواصل فلسطين والتوسع في الاستيطان.
لذلك، فإن هناك مكتسبات كبيرة وثمار متعددة لقرارات محكمة العدل الدولية ومن قبلها قرار المحكمة الجنائية الدولية واعتراف أسبانيا وأيرلندا والنرويج بدولة فلسطين رسميا، لأن شك كل هذا بمثابة انتصار للقضية الفلسطينة بامتياز، وإن كانت لا ترتقى إلى سقف الطموح، إلا أنها بمثابة هزائم استراتيجية لإسرائيل، وتكفى أنه ستساهم – مستقبلا – في عزل إسرائيل، وفضح جرائمها في غزة وبقية المدن الفلسطينية، وتؤكد أن إسرائيل فشلت في التهرب من المساءلة وفى تبرير ما ترتكبه جرائم، إضافة إلى أنها رسالة واضحة لدولة الاحتلال وداعميها بأن لا أحد فوق القانون أو خارج نطاق المساءلة حتى ولو لم يتم تنفيذه على أرض الواقع.
ولا يُمكن لإسرائيل التذرع بأنها دولة قانون وديمقراطية، خاصة أن تلك القرارات صدرت بشكل شبه إجماعي، بموافقة 13 قاضيا، ما يعنى إجماعيا بأن دولة الاحتلال تمارس إبادة جماعية وترتكب جرائم حرب وأن هناك قناعة بهذا، بل أن هذه القناعة وصلت إلى جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، والذى أكد أن أوامر محكمة العدل الدولية ملزمة لجميع الأطراف، وذلك بالتزامن مع تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أنه سيحيل الإخطار بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية إلى مجلس الأمن بشأن الحرب على غزة.
ومن المهم أن نؤكد أن ما يحدث الآن من إحياء للقضية الفلسطينية وتضامن العالم معه بمثابة انتصار للدبلوماسية المصرية، لأن ببساطة مصر هي من أحبطت جميع المخططات التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية؛ برفضها لجميع محاولات التهجير القسرى للشعب الفلسطيني تكثيف دعمها السياسي والمادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، وتبني خطوات عملية لنصرة قضيته العادلة، والضغط باتجاه تفعيل نظام الجزاءات العربية ضد الكيان الصهيوني لإجباره على الرضوخ لإرادة المجتمع الدولي.
وكذلك تدخل مصر ومرافعتها أمام محكمة العدل الدولية 21 فبراير والذى وصف بأنه انتصار جديد للفلسطينيين، لأنه يأتي في إطار توظيف مصر لكل المسارات لدعم القضية الفلسطينية والدفاع عنها، مع انضمامها لدعوى جنوب أفريقيا في المحكمة الجنائية، وهذا ليس بجديد على مصر فهى دائما مصدر الثقل والاتزان والسند للعرب جميعا.
وما يؤكد أن إسرائيل تتعرض إلى كوارث دبلوماسية هو أن أصوات إسرائيلية تعالت بقوة وأكدت أن القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ “إسرائيل” من نفسها هي “الإسرائيليون أنفسهم، من خلال ابتكار لغة سياسية جديدة تعترف بالواقع وكذلك اتساع دائرة التظاهرات داخل المجتمع الإسرائيلي وكذلك تفاقم حدة الانقسام والخلاف بين أعضاء مجلس الحرب ومطالبة الكثير بإسقاط حكومة نتنياهو وبانتخابات مبكرة.
وايا كان الأمر، فإن المجتمع الدولى أمام اختبار جديد وصعب للغاية، بشأن مسؤولياته تجاه مأساة غزة وجرائم الاحتلال والكيان الصهيوني فى فلسطين وغزة، خاصة أن الحكومة المتطرفة هى من تتعنت وتواصل ضرب كل القوانين الدولية عرض الحائط، وأن الكل بات يعلم أن إسرائيل بفضل دعم الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل على أنها فوق القانون.