الموارد المائية في تراجع في المغرب، الذي تنهشه حيتان التصدير إلى أوروبا منذ ست سنوات. عرف المغرب سياسة زراعية عادت بالنفع خاصة على كبار مالكي الأراضي الذي يفضلون الزراعات الموجهة للتصدير وذات المردود المرتفع، والتي تتطلب كميات مهمة من المياه على حساب عطش المواطنين. تعاني المملكة من أزمة مائية كبيرة سوف تؤثر على قدرة شعبها على البقاء لفترة طويلة.خاصة وأن هذا القطاع الزراعي يعد أكبر مستهلك للمياه بحوالي 88 بالمائة، وفقا للبنك الدولي.
– هل المناخ يتغير حقيقة؟ وهل النشاط البشري هو المسؤول عن هذا التغير لو كان يحدث؟
المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية يجيب على هذا السؤال: بأن تغير المناخ ليس السبب الوحيد للوضعية المائية الصعبة التي يمر منها المغرب، بل إن السياسات الفلاحية المتبعة ساهمة في “ندرة الماء”.
وأوضح المعهد في تقرير حديث أن الخيارات التي فضلتها هذه السياسات، ساهمت بشكل فعال في الاستنزاف التدريجي للموارد المائية التقليدية في المغرب.
وأوضح أنه ومنذ إطلاق سياسة السدود في الستينيات بهدف الوصول إلى مليون هكتار مروية بحلول عام 2000، ركزت السياسة المائية على زيادة العرض، ومع عدم الاهتمام الكافي بالتحكم في الطلب على المياه الزراعية، ومنذ موجة الجفاف في أوائل الثمانينيات، استمر ضخ المياه الجوفية في التوسع والتكثيف.
هذا التوجه في ضخ المياه الجوفية شجعه الدعم المقدم من صندوق التنمية الفلاحية، الذي تأسس عام 1985، وزاد الاستنزاف حدة مع ظهور مخطط المغرب الأخضر عام 2008، الذي دعم نظام الري بالتنقيط بسخاء ودون تمييز.
وأشار المعهد إلى أن القطاع الزراعي الذي يستخدم ما يقرب من 85% من موارد المياه المتجددة في البلاد، مهدد حاليًا بسبب ندرة المياه الناتجة عن الإجهاد المائي في العقدين الأخيرية، وقد أصبحت ندرة المياه في مقدمة المشاكل، وتثير مخاوف كبيرة، بشأن تأمين إمدادات المياه الصالحة للشرب للسكان، واستدامة الزراعة والحفاظ على الأمن الغذائي.
بوانو يتهم رئيس البرلمان بـ”عرقلة” عمل لجنة برلمانية مكلفة بتقييم”المغرب الأخضر” وأكذوبة الأمن الغذائي
وحسب ذات المصدر، فقد أدى دعم الري إلى توسع الأراضي المسقية، والتوجه نحو الفلاحة التصديرية لتحل محل المنتجات ذات الاستهلاك الداخلي، وهو ما أدى لاستيراد الحاجيات الاساسية وعلى رأسها الحبوب.
ونبه ذات التقرير إلى أن السياسات الزراعية في المغرب، ظلت في تصميمها وتنفيذها، مشبعة بتصور ضيق ومبتور للقطاع الزراعي والعالم القروي، و تضمن وصولا جد محدود للأغلبية العظمى من المزارعين الصغار ومتوسطي الحجم إلى المعلومات والابتكار والأسواق، مما يعيق قدرتهم على المنافسة، ويؤدي إلى تفاقم ضعفهم وإضعاف نشاطهم المستمر في البيئة الريفية، وقد يدفعهم للتخلي عن أنشطتهم الإنتاجية الزراعية، وخسارة جزء أو حتى كل أصولهم من الأراضي والماشية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي تدفقات الهجرة القروية.
واليوم، الفلاحة المغربية تجد نفسها في وضعية حرجة غير مسبوقة، في ظل التدهور المتقدم لمواردها الإنتاجية الأساسية من المياه، والتربة، والمراعي، والغابات، إضافة إلى تفاقم اعتماد المغرب على الدول الأجنبية لسد العجز المتزايد في المنتجات الغذائية الأساسية، وامتد هذا الاعتماد إلى منتجات لم تكن الدولة تعتمد عليها في السابق إلا بشكل هامشي، وبات اليوم التحدي الأول الذي يواجه الزراعة المغربية يتعلق بالوظيفة الغذائية، أي قدرتها على حماية السكان من جميع المخاطر المتعلقة بالغذاء.
كما أن لمشكل الماء انعكاسات على انخفاض الموارد العلفية المحلية، في مقابل ارتفاع أسعار أعلاف الماشية المستوردة بشكل رئيسي، ما أدى إلى انخفاض عدد الثروة الحيوانية الوطنية وعدد وحدات التربية، ولجأ المغرب للاستيراد من أجل تغطية احتياجاته من اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان، وإذا استمر هذا الوضع، فإن إعادة تكوين القطيع الوطني ستصبح غير مؤكدة أكثر فأكثر.
وأوصى التقرير بتحسين الحكامة في القطاع الفلاحي، وضمان السيادة الغذائية وتعزيز استدامة ومرونة الفلاحة المغربية، وإعطاء الأولوية لتخصيص المياه للمشغلين الزراعيين الذين يساهمون في السيادة الغذائية، وإدراج ندرة المياه كمعيار للموافقة على المشاريع الاستثمارية الزراعية، وقصر السحب على الجزء المتجدد من رأس المال المائي.
كما دعا إلى تعزيز الإنتاج الزراعي ذي البصمة المائية المنخفضة، وتوجيه الإنتاج الزراعي ذي القيمة المضافة العالية نحو السهول الساحلية وتشجيع الري باستخدام مياه البحر المحلاة، وبذل الجهود لترشيد استغلال مياه الأمطار، وتشجيع استعمال المياه المعالجة، ومكافحة الهجرة الريفية، من خلال تحسين جاذبية المهن الزراعية، ومنح الجيل الريفي الجديد آفاق مستقبلية جيدة، مع تسهيل وصولهم إلى الأراضي الزراعية.
كما شدد المعهد على أهمية إعادة النظر في اختيار المنتجات المخصصة للاستهلاك الوطني من أجل إعادة التوازن بين تلك المخصصة للسوق المحلية وتلك المعدة للتصدير، وجعل أمن البذور الوطني أولوية استراتيجية، بهدف تقليل الاعتماد على الأصناف الأجنبية، وإعادة تقييم شروط وأهداف تخصيص الدعم، واستخدام المدخلات الزراعية الأكثر قدرة على الصمود في مواجهة الصدمات وتقلبات المناخ.
غير أن ذلك غير كاف في نظر بعض الخبراء، الذين يطالبون المغرب بمراجعة السياسة الزراعية، خاصة وأن هذا القطاع الزراعي يعد أكبر مستهلك للمياه بحوالي 88 بالمائة، وفقا للبنك الدولي.
كما أن اعتماده على زراعات موجهة نحو التصدير يستنزف الثروة المائية للبلاد على حد قولهم: “غياب الحكامة في تدبير هذه المادة الحيوية، وتصدير المياه على شكل فواكه يزيد من إنهاك هذه الثروة. مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي تبقى ضعيفة بالنظر إلى الخطر الذي يهدد المياه.”، بحسب أميمة خليل الفن. وعلى الرغم من التحديات التقنية والتمويل التي تواجهها بعض محطات معالجة المياه العادمة والتحلية، إلا أن هذه المحطات يمكن أن تشكل مصادر حيوية لمياه الشرب والاستعمالات الأخرى، خاصة إذا تمكن المغرب من الاستفادة من تقنية حرق النفايات المنزلية لتوفير الطاقة لتشغيل هذه المحطات، كما هي الحال في إسبانيا، بحسب بعض الخبراء.
فشل المخطط فشلا ذريعا في كسب رهاناتٍ عديدة، بدءا بدعامة الفلاحة التضامنية التي طالما تغنّى معدّو المخطط بأنها السبيل الأمثل لمحاربة الفقر بالقرى، وتجويد ظروف عيش الفلاحين، خصوصا في المناطق النائية والمعزولة، عبر مقاربة متميزة تراعى فيها الخصوصية المحلية، وتقليص الفوارق المجالية بين المناطق .. وهلم جرا من الأهداف التي ظلت حبرا على ورق.
وفي تقرير للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة إحصاء وطنية)، تحت عنوان : “أية آفاق للتعبية الغذائية للمغرب بحلول عام 2025؟”. وانتقدت التركيز على رفع صادرات الخضر والفواكه، على حساب تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني في المواد الأساسية (الحبوب، الزيوت ..)، ما جعل السوق المحلية عرضةً لتقلبات الأسعار دوليا. وأظهر قصور المخطط عن توفير الأمن الغذائي للمغاربة، لتعلق أهداف كبرى فيه بالسماء (التساقطات المطرية). كما سجلت تراجعا واضحا في نسبة مساهمة القطاع في سوق الشغل، بالانتقال سنة الانطلاق من 40 % إلى 34 % سنة 2018. ودعا المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة للرقابة المالية) في تقرير 2019 إلى مراجعة جذرية للمخطط الذي لم يراع المخاطر البيئية والمائية. وحذّر من أزمة جفاف في المنظور القريب، مع الارتفاع المتزايد في منسوب استنزاف الفلاحة المغربية للمياه (89%)، في وقت يشهد تراجعا مهولا في المخزون المائي للمملكة، نتيجة تعاقب سنوات الجفاف بفعل التغيرات المناخية، فالحرص على الاستجابة لطلبات الأسواق الأوروبية، بإنتاج زراعات تستزف المياه (الحوامض، البطيخ الأحمر، الأفوكادو ..) كانت كلفته التفريط في الأمن الغذائي والمائي للمملكة، حتى شاعت بين المغاربة، مع بداية إنتاج البطيخ الأحمر، مقولة “حان موسم تصدير المياه المغربية إلى الأسواق الأوروبية”، بعد متابعتهم وقائع عطش مئات هكتارات من الأراضي، بسبب اختيارات فلاحية غير مناسبة.