تبدو أرض الوطن كالجحيم بالنسبة للكثيرين من الشباب والأطفال المغاربة. عندما تحقق الخوف من المستقبل وخابت الآمال وبلغت القلوب الحناجر، لم يكن صياحهم مجديًا أمام الموت. غلبتهم أمواج البحر، فغرقت أرواحهم في ملكوت بارئها بينما طفت أجسادهم الهزيلة من طول السباحة ومغالبة الموج. كآلاف المهاجرين المغاربة الذين فروا من جحيم الفقر والبطالة.
توفي طفل يبلغ من العمر 4 سنوات بعد أن جرفته مياه شاطئ سيدي رحال بإقليم برشيد، يوم الجمعة، وذلك إثر غرق قارب صيد كان يحمل عشرات المهاجرين غير الشرعيين قبل يوم واحد.
وكان هذا الطفل قد لحق بأمه التي توفيت غرقًا يوم الخميس، ليصل بذلك عدد ضحايا غرق القارب إلى أربعة قتلى. القارب كان يقل أكثر من 60 شخصًا من مناطق مختلفة منها المحمدية، والقنيطرة، والدار البيضاء، وقلعة السراغنة، وبرشيد، بالإضافة إلى مهاجرين من دول جنوب الصحراء.
وأفادت السلطات المحلية أن فرق الإنقاذ نجحت في إنقاذ أكثر من 20 شخصًا كانوا على متن القارب التقليدي الذي انطلق من شاطئ دوار المهارزة بالجماعة الترابية البئر الجديد، التابعة لإقليم الجديدة. ولا يزال مصير باقي المهاجرين مجهولًا حتى الآن.
استعانت فرق الوقاية المدنية والدرك الملكي بالمروحيات والطائرات المسيرة في عمليات البحث عن ناجين وانتشال جثث الغرقى، وسط تجمع أهالي المفقودين على طول شاطئ سيدي بوزيد.
وخلال السنوات الماضية، أقرت السلطات المغربية بحظر استعمال الدراجات المائية في أغلب مدن شمال البلاد، كجهة طنجة-تطوان الحسيمة، تفادياً لاستعمالها في الهجرة غير النظامية، والاتجار بالبشر والمخدرات.
لا يمكن الحديث عن الهجرة السرية دون النظر إلى تأثيراتها المأساوية على البلد الأصلي والمهاجرين أنفسهم. فأغلب المهاجرين هم من الشباب، وهذه الفئة تمثل ركيزة هامة يمكن للمجتمع أن يعتمد عليها لتحقيق التنمية والتقدم نحو مستقبل أفضل. عدم الاستثمار في هذه الفئة يشكل عائقًا كبيرًا أمام التنمية، ويدفع الشباب إلى البحث عن وطن بديل. عندما يعجز الوطن الأم عن تلبية احتياجات الحياة للشباب، يدفعهم ذلك إلى الهجرة بحثًا عن مستقبل أفضل.
وعند وصول المهاجر إلى الضفة الأخرى التي كان يراها فردوسًا، لا يسلم من المآسي. يجد نفسه محاطًا بتحديات عديدة، منها شعوره بالاغتراب والابتعاد عن وطنه وأهله، مما يفقده الشعور بالاستقرار والانتماء. الثقافة في البلد الجديد تختلف بشكل جذري عن ثقافة وطنه الأم، مما يخلق لديه تصادمًا ثقافيًا. يُضطر المهاجر إلى التخلي عن العديد من عاداته وتقاليده ومبادئه من أجل التأقلم مع الحياة الجديدة.
يبقى المهاجر في حالة صراع مع ثقافة بلد الإقامة، محاولًا الانفتاح عليها والتكيف معها ليشعر بالانتماء لهذه الجماعة الإنسانية الجديدة، ويكتسب هوية اجتماعية ضمن هذا المجتمع.
على عكس ما جاء في رواية الروائي العربي”الطيب صالح” عن الإنسان العربي المهاجر للشمال الأوروبي، الإنسان المتفوق والعائد لوطنه العربي ليواجه مصاعب الهوية والغربة النفسية عن بلاده وأهله، أصبح الآن أبطال الهجرة العربية الجدد بلا عودة، وربما بلا هوية، بل إنهم في أحوال كثيرة لا يصلون من الأصل لشواطئ أوروبا، بل يبتلعهم البحر فيموتون على أعتابها أو تحت أسوارها مثل الغزاة المسلمين قديما قبل فتح القسطنطينية.
تزايد الهجرة غير الشرعية للشباب المغاربة نحو إسبانيا يمكن أن يعزى إلى عدة أسباب:
-
الفقر والبطالة:
-
الأوضاع الاقتصادية الصعبة: يعاني العديد من الشباب المغاربة من صعوبات اقتصادية بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما يدفعهم للبحث عن فرص عمل أفضل في الخارج.
-
نقص الفرص: عدم توفر فرص عمل مناسبة للشباب في المغرب يدفعهم للبحث عن فرص جديدة في إسبانيا وأوروبا.
-
-
تحديات التعليم والتدريب:
-
نقص التأهيل: قد يجد العديد من الشباب أن التعليم والتدريب المتاح لهم غير كافٍ لتمكينهم من الحصول على وظائف جيدة في المغرب.
-
البحث عن تعليم أفضل: بعض الشباب يرغبون في الهجرة لتحصيل تعليم أفضل في أوروبا، مما يزيد من فرصهم في الحصول على وظائف جيدة.
-
-
الهروب من الأوضاع الاجتماعية والسياسية:
-
عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي: في بعض الحالات، قد تكون الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد عاملاً مؤثراً في قرار الهجرة، حيث يسعى الشباب إلى بيئة أكثر استقراراً وأمناً.
-
البحث عن الحرية والكرامة: يسعى البعض للهجرة بحثاً عن حرية أكبر وكرامة إنسانية، بعيداً عن القيود الاجتماعية والسياسية.
-
-
الإغراءات الخارجية:
-
الإغراءات الاقتصادية: الرواتب والأجور في إسبانيا وأوروبا عموماً أعلى بكثير مما يمكن الحصول عليه في المغرب، مما يشكل دافعاً قوياً للهجرة.
-
قصص النجاح: العديد من المهاجرين السابقين يشاركون قصص نجاحهم، مما يشجع آخرين على اتخاذ نفس الخطوة بحثاً عن حياة أفضل.
-
-
ضعف البنية التحتية الداعمة للشباب:
-
نقص الدعم الحكومي: قد تكون السياسات الحكومية غير كافية لدعم الشباب وتوفير فرص عمل مناسبة، مما يجعل الهجرة الخيار الأفضل لهم.
-
غياب برامج التنمية: قد تكون هناك قلة في البرامج والمشاريع التنموية التي تستهدف تحسين أوضاع الشباب وتشجيعهم على البقاء في الوطن.
-
-
سهولة الوصول النسبية:
-
القرب الجغرافي: القرب الجغرافي بين المغرب وإسبانيا يجعل الرحلة أقل خطورة وأقل تكلفة مقارنة بالهجرة إلى مناطق أخرى.
-
شبكات التهريب: وجود شبكات تهريب نشطة تسهل عملية الهجرة غير الشرعية وتزيد من عدد الشباب الذين يحاولون العبور إلى إسبانيا.
-