“إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية: هل يتجاوز الطالبي العلمي الصلاحيات الدستورية؟”

0
332

سابقة في المغرب: رئيس مجلس النواب يحيل قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية

في خطوة غير مسبوقة في الممارسة التشريعية المغربية، قرر رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية لمراجعته. يأتي هذا القرار بعد انتهاء الإجراءات التشريعية في مجلس المستشارين وما أعقبه من احتجاجات واسعة من جانب المجتمع القانوني، حيث نظم المحامون مظاهرات احتجاجية ضد ما اعتبروه “تراجعات ومقتضيات رجعية” في مشروع القانون، متهمين الحكومة بمحاولة جرهم إلى صراع سياسي.

أثار مشروع القانون رقم 02.23، المتعلق بالمسطرة المدنية، جدلاً واسعاً بسبب ما يرى فيه منتقدوه من اعتداءات على المبادئ الدستورية وتهديد لحق المواطنين في اللجوء إلى القضاء. وقد أعربت المعارضة والمحامون والمفوضون القضائيون عن مخاوفهم من أن المشروع يتعارض مع الدستور وحقوق المواطنين. وفي ظل هذه الانتقادات، قرر الطالبي العلمي تفعيل آلية المراجعة الدستورية الاختيارية، وفقاً لما ينص عليه دستور 2011، من خلال إحالة المشروع إلى المحكمة الدستورية للتأكد من مطابقته للدستور. وتعد هذه الخطوة سابقة في تاريخ المغرب.

انتقادات وتوجيهات رئيس المجلس

في حديث له، انتقد الطالبي العلمي اللجوء إلى الاحتجاجات والإضرابات دون تقديم شكاوى مكتوبة إلى المؤسسة التشريعية، مشيراً إلى أنه لم يتلقَ أي مراسلة رسمية من أي جهة قانونية تشير إلى وجود مشاكل في بنود المشروع. وأكد على ضرورة تقديم الملاحظات والتعديلات عبر القنوات الرسمية بدلاً من الاحتجاجات.

وبناءً على ذلك، سيتم إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية للتصويت النهائي، وفقاً لأحكام الفصل 132 من الدستور، الذي يسمح للملك، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، أو عدد من أعضاء البرلمان بإحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها. يتعين على المحكمة أن تصدر حكمها بشأن مطابقة القانون للدستور في غضون شهر، ويمكن تقليص هذا الأجل إلى ثمانية أيام في الحالات العاجلة بناءً على طلب الحكومة.

مشروع قانون المسطرة المدنية: هل يسعى وزير العدل لترهيب المواطنين وتقييد حقهم في التقاضي؟

موقف الخبراء القانونيين

يعتبر عمر الشرقاوي، أستاذ القانون الدستوري، أن النقاشات التي تحيط بمشروع قانون المسطرة المدنية هي جزء من عملية صحية تهدف إلى تحسين القانون وضمان حماية الحقوق وتعزيز النظام القضائي. ويرى الشرقاوي أن قرار الطالبي العلمي بإحالة المشروع إلى المحكمة الدستورية هو خطوة سياسية ودستورية ذكية لأربع اعتبارات رئيسية: أولاً، حماية سمعة البرلمان من الاتهامات بالتواطؤ مع الحكومة؛ ثانياً، تجنيب الحكومة الاتهامات بعدم دستورية مشروعها؛ ثالثاً، التفاعل الإيجابي مع اعتراضات هيئات المحامين؛ رابعاً، طمأنة المواطنين بشأن مصداقية القانون.

ردود الفعل والجدل المستمر

تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي ناقشت فيه آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مع النقيب الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، مشروع قانون المسطرة المدنية. وقد أعرب النقيب الزياني عن تقديره للإيجابية التي شابت اللقاء، وناقش المشاكل التي أثارها المحامون بشأن بعض مواد المشروع، بما في ذلك قضايا الحق في الدفاع والمساواة أمام القانون وكفاءة النظام القضائي.

في يوليوز الماضي، صادق مجلس النواب بالإجماع على مشروع القانون رقم 02.23، والذي حصل على موافقة 104 نواب ومعارضة 35 نائبا، دون أي امتناع. وأوضح وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن الهدف من القانون هو “إرساء قواعد الاختصاص النوعي وتبسيط الإجراءات القضائية وتحسين أداء العدالة”.

لكن المحامون اعتبروا أن المشروع يحتوي على مواد تحد من حق المواطنين في التقاضي، بما في ذلك فرض غرامات على الدعاوى المبنية على سوء النية، وتقييد الحق في الاستئناف والطعن بالنقض وفقاً لقيم مالية محددة. وقد ندد نادي المحامين بما وصفه بـ “النهج الأحادي الجانب” للوزارة، واتهم وزير العدل بمحاولة افتعال صدام غير مبرر مع المحامين.

الخلاصة

تمثل إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية لحظة فارقة في الممارسة التشريعية المغربية، وتسلط الضوء على الجدل المستمر حول الإصلاحات القانونية وحماية الحقوق الدستورية. ومع استعداد المحكمة للنظر في المشروع، من المرجح أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على الإطار القانوني في المغرب والعلاقة بين الدولة ومواطنيها.

“إجراءات المركز السينمائي المغربي تحت المجهر: هل تشديد القيود بخصوص ‘التزام بالعنوان’ خطوة نحو احتكار السينما أم حماية للمصالح الخاصة؟”

رأي صحيفة “المغرب الآن”

فيما يتعلق بإحالة مشروع قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية من قبل رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، فإننا في صحيفة “المغرب الآن” نرى أن هذا الإجراء لا يُعتبر خرقًا للقانون، بل يمثل استخدامًا مشروعًا للصلاحيات الممنوحة له بموجب الدستور.

التحليل:

  • الاختصاص الدستوري: استند الطالبي العلمي إلى الفصل 132 من الدستور المغربي، الذي يتيح لرئيس مجلس النواب ولعدد من الجهات الأخرى مثل الملك ورئيس الحكومة ورئيس مجلس المستشارين، إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية قبل إصدارها. هذه الخطوة تعد جزءًا من آلية الرقابة الدستورية التي يضمنها الدستور لضمان تطابق القوانين مع النصوص الدستورية.

  • الاعتراضات القانونية: الاحتجاجات التي أُثيرت من قبل المحامين والمعارضين تتعلق بمحتوى القانون نفسه وليس بالإجراء الدستوري المتبع. هؤلاء المعارضون انتقدوا مواد القانون، لكنهم لم يتهموا بشكل مباشر الإجراء الذي اتبعه الطالبي العلمي بخرق القانون.

  • النهج البرلماني: إذا كان الطالبي العلمي قد اتخذ هذا الإجراء بناءً على تقييم موضوعي وضمن الصلاحيات التي يتيحها له الدستور، فإن ذلك يشير إلى احترامه للإجراءات القانونية المقررة وليس إلى خرق لها.

بناءً على ذلك، من حيث الإجراء نفسه، يبدو أن الطالبي العلمي لم يخرق القانون، بل اتبع مسارًا دستوريًا لضمان مراجعة قانونية لمشروع قانون قد أثار جدلاً.