منع الممرضين من الهجرة: خطوة نحو السيطرة على قطاعات أخرى؟ هل نحن أمام “حبس” بغير سجون؟

0
396

في ظل تصاعد التوجهات نحو التضييق على الحريات العامة وحرية الصحافة والتدوين، وانتشار القوانين التي تجرم حتى أبسط محاولات التعبير أو التفكير في الهجرة غير الشرعية، نجد أنفسنا أمام مشهد يتزايد فيه خنق الأفراد عبر متابعة قضائية طالت الجميع. اليوم، تبرز خطوة جديدة تتمثل في منع الممرضين من الهجرة إلى الخارج، خطوة تعكس السياسة المستمرة التي تسعى الحكومة من خلالها إلى حبس طاقات الشباب والمهنيين في الداخل دون توفير بدائل مناسبة. هذا التوجه لا يقتصر على قطاع الصحة فقط؛ بل يبدو أنه يمتد نحو مهنيين آخرين، بدءاً من الأطباء والمهندسين، وربما مستقبلاً كل المهن والحرف. وسط هذا كله، تبقى الحقيقة المؤلمة: لا فرص عمل تكفي في الداخل، ولا الحرية متاحة للخروج بحثاً عن مستقبل أفضل.

اتفاق مغربي كندي يثير الجدل: هل تُجهض أحلام الممرضين المغاربة في الهجرة؟

أثار البريد الإلكتروني الذي تلقاه عدد من الممرضين المغاربة الراغبين في الهجرة إلى كندا موجة من الانتقادات والشكوك حول “اتفاق مزعوم” بين السلطات المغربية ونظيرتها الكندية. الاتفاق يُزعم أنه يقضي بعدم توظيف الممرضين المغاربة في كندا، وهو ما اعتبره البعض “ممارسة غير مسبوقة” و”مساسًا بحرية الأفراد”. لكن ما هي تفاصيل هذا الاتفاق؟ وما الذي دفع الممرضين إلى الشعور بالإحباط؟ وهل هذا القرار يمثل ضرراً أكبر على النظام الصحي المغربي أم أنه خطوة ضرورية لحماية مصالح البلاد؟

مضمون الاتفاق المزعوم

بحسب نص البريد الإلكتروني الذي حصلت عليه “هسبريس”، يُذكر أن حكومة كيبيك توصلت إلى اتفاق مع السلطات المغربية يقضي بعدم توظيف الممرضين المغاربة ضمن برامجها الخاصة باستقدام العمال الأجانب المؤقتين. ويُقال إن هذا القرار يأتي ضمن ممارسات “التوظيف الأخلاقية” التي تهدف إلى عدم الإضرار بسوق العمل والنظام الصحي في المغرب. وبدلاً من ذلك، تم الإعلان عن وظائف أخرى، مثل المرافقين المستفيدين (مساعدي التمريض)، مع اقتصار التوظيف على حاملي شهادات معينة.

هل يضر هذا القرار بالنظام الصحي المغربي؟

يُطرح هنا سؤال جوهري: هل من شأن هذا الاتفاق حماية النظام الصحي المغربي من نزيف الهجرة، أم أنه يعمّق الأزمة ويزيد من ضغوط العمل على الممرضين الموجودين؟ فالمشكلة التي تواجه القطاع الصحي في المغرب ليست فقط في الهجرة، بل في ظروف العمل الصعبة، حيث يعاني الممرضون من أوضاع مهنية شاقة، حيث يمكن لممرض واحد أن يكون مسؤولاً عن مائة مريض في بعض الحالات.

فاطمة الزهراء بلين، عضو المجلس الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، أكدت في تصريحها أن هذا القرار “يمثل ضغطًا على الممرضين”، ويقوض حقوقهم في تحسين أوضاعهم وتطوير أنفسهم. فهي ترى أن الحل يكمن في تحسين بيئة العمل داخل المغرب وتوفير فرص للتطور المهني، لا في منع الهجرة.

هل القرار شرعي؟

من جانبه، تساءل مصطفى جعا، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، عن مدى صحة هذا الاتفاق المزعوم. وإذا كان صحيحًا، فإنه سيكون “سابقة”. وأضاف: “بدلاً من إغلاق الباب أمام الهجرة، كان الأجدر بالسلطات تحسين ظروف العمل وتحفيز الممرضين للبقاء في بلادهم”. ووفقًا لدراسة سابقة، فإن ما بين 200 إلى 500 ممرض مغربي يهاجرون سنويًا، ما يشكل ثلث الممرضين الذين يتخرجون كل عام.

الحلول الممكنة

هل منع الهجرة هو الحل الأنسب؟ أم أن هناك طرقاً أخرى يمكن من خلالها تحسين الوضع؟ يُجمع الخبراء والنقابيون على أن تحسين الأجور، توفير فرص التكوين والتطوير، وتخفيف الأعباء المهنية يمكن أن تشكل حلولاً لجعل الممرضين يفكرون مرتين قبل اتخاذ قرار الهجرة. جعا أشار إلى أن الهجرة ليست الحل الوحيد، وأن تحسين الظروف قد يجعل الممرضين الذين يعيشون في الخارج يفكرون في العودة إذا توفرت لهم بيئة عمل مناسبة.

في النهاية: ما المسكوت عنه؟

يبقى السؤال الكبير هو: هل سيؤدي هذا الاتفاق إلى تحقيق استقرار في القطاع الصحي المغربي، أم أنه سيعزز من شعور الإحباط والاستياء بين الممرضين؟ وما الذي تخفيه السلطات المغربية والكندية بشأن هذه الاتفاقية؟

ملخص لأسباب هجرة الممرضين المغاربة:

هجرة الأطر التمريضية المغربية تُعد ظاهرة مستمرة تعود إلى عدة عوامل رئيسية. أوضح مصطفى جعا، رئيس النقابة المستقلة للممرضين، أن هذه الهجرة ناجمة عن ظروف عمل غير مناسبة، وضعف الأجور، وغياب القوانين المنظمة لمهنة التمريض، مثل عدم تأسيس هيئة وطنية للممرضين. وذكر أن عدد المهاجرين وصل إلى ألف ممرض خلال العام، مما أدى إلى نقص حاد في المرافق الصحية بالمغرب.

كما تعاني هذه الفئة من عدم تحقيق المطالب النقابية المتعلقة بزيادة الأجور، حيث يتقاضى الممرض في المغرب حوالي 6,000 درهم شهريًا، بينما يتقاضى ممرض في أوروبا 3,000 يورو. إلى جانب ذلك، يعمل الممرضون تحت ضغط شديد، حيث يقومون بمهام متعددة دون تعويض كافٍ، وهو ما يدفع الكثيرين للتفكير في الهجرة بحثًا عن ظروف عمل أفضل وأجور مرتفعة.

هناك أيضًا نقص كبير في التخصصات الطبية مثل التخدير والإنعاش، حيث يضطر ممرض واحد للإشراف على عشرات المرضى في ظل ضعف عدد الكوادر الطبية. بالإضافة إلى التمييز في أنظمة التقاعد بين الممرضين العاملين في مختلف المراكز الاستشفائية، مما يزيد من حدة الاستياء.

أشار التقرير أيضًا إلى أن ضعف الموارد البشرية الصحية في المغرب يشكل عائقًا كبيرًا لتطوير المنظومة الصحية، مع وجود نقص حاد في أعداد الممرضين والأطباء. وتفاقمت هذه المشكلة مع ارتفاع طلبات الاستقالة والهجرة للخارج بسبب الإغراءات المالية وظروف العمل الملائمة في الدول الأجنبية.

ختامًا، دعا التقرير إلى ضرورة تحسين الأوضاع المالية والمهنية للممرضين وتقنيي الصحة، وتحقيق العدالة الأجرية، إلى جانب إخراج القوانين المنظمة لمهنة التمريض في أقرب وقت.