“سنجاب القطارات” وصراع الصحفي بين الأكاديمية والمهنية: هل هي مهنة المتعة أم المتاعب؟

0
180

عاد الصحفي طلحة جبريل إلى محطات القطارات وترحاله المعتاد بين المدن المغربية، حيث يختار القطارات كمكان إقامة متنقل بسبب التزاماته المتعددة.

في تغريدته الأخيرة على حسابه على “فيسبوك”، أشار إلى رحلته الأخيرة إلى الدار البيضاء، رحلة لم تبدأ كما هو مأمول بسبب تأخر القطار ساعة كاملة.

لكنه لا يقتصر فقط على تفاصيل الرحلة، بل يفتح نافذة على تحديات مهنة الصحافة وعوالمها الأكاديمية والمهنية.

هل الصحافة مهنة المتعة أم المتاعب؟

فيما يتعلق بتدريس الصحافة، يعكس طلحة جبريل مهمة غير تقليدية: أن يُقنع طلاب السنة الأولى بأنهم اختاروا “مهنة المتعة” وليس “مهنة المتاعب”. هنا، يتجلى السؤال: كيف يمكن لصناعة تعتبر مليئة بالتحديات والمخاطر أن تكون مصدرًا للمتعة؟ يطرح هذا تساؤلاً جوهريًا حول طبيعة الصحافة وكيفية التعامل مع ضغوطاتها اليومية.

ربما يكمن سر “المتعة” في فضول الصحفي الذي لا ينتهي، ورغبته الدائمة في استكشاف الحقيقة ونقلها للجمهور. لكن في المقابل، من الجدير السؤال: ما هو الثمن الذي يدفعه الصحفي من حياته الشخصية لتحقيق هذه المتعة؟ وهل الصحافة حقًا مجال يكافئ ممارسيها بما يكفي ليعتبروا أنهم في “مهنة المتعة”؟

التزام أكاديمي ومهني: هل يترك مجالاً للراحة؟

يمتد جدوله الزمني ليشمل ست مدن، وهو ما يجعل “السكن” في أحد القطارات حلاً منطقيًا لتلبية متطلباته الأكاديمية. إضافةً إلى التزامه بالتدريس من السنة الأولى في الصحافة إلى مستوى الماستر، هناك أيضًا ارتباطات مهنية مع إذاعات وقنوات تلفزيونية، وهو ما يعكس بوضوح الضغط المتزايد الذي يعيشه الصحفي بين دوره الأكاديمي والمهني. هنا يطرح السؤال: إلى أي حد يمكن للصحفي أن يوازن بين الالتزامات الأكاديمية والمهنية؟ وهل تعد مثل هذه الالتزامات تحديًا يتجاوز مجرد الحضور الجسدي إلى ضرورة الإبداع والابتكار في المجال؟

كما يشير طلحة جبريل، التزامات الإعلام ليست مجرد عقود مهنية، بل هي التزامات أخلاقية تتطلب من الصحفي مسؤولية أكبر في تقديم محتوى يليق بتوقعات الجمهور. يتجدد هنا السؤال: هل ما زالت المهنة تحتفظ بمعاييرها الأخلاقية في ظل ضغوط العمل المتزايدة؟

البحث عن الوقت الشخصي: هل هو ممكن؟

وفي لحظة تأمل، يتساءل الصحفي طلحة جبريل عمّا إذا كان سيبقى له وقت كافٍ للراحة أو للاستمتاع بزيارة السينما، المسرح، المتاحف، أو حتى مجرد المشي على شاطئ البحر. هذا السؤال يحمل بعدًا إنسانيًا عميقًا، حيث يكشف عن الصراع اليومي بين المسؤوليات المهنية والحياة الشخصية. الصحفي، مثل كثير من العاملين في المهن الإبداعية، يواجه ضغوطًا كبيرة تجعل من الصعب إيجاد مساحة للراحة النفسية أو الاستجمام.

هذا التساؤل البسيط “هل سيبقى لي وقت؟” يقودنا إلى التفكير في حالة الصحفيين اليوم: هل يُعطى لهم الوقت الكافي للتأمل والاسترخاء؟ في عصر المعلومات السريعة وتدفق الأخبار على مدار الساعة، يبدو أن “الراحة” أصبحت مفهومًا غائبًا في حياة الكثيرين من ممارسي هذه المهنة.

ختامًا: هل سيظل الصحفي سجين قطاره؟

لطالما ارتبطت مهنة الصحافة بالتنقل الدائم، سواء كان التنقل بين أماكن العمل أو بين الأفكار والمفاهيم. لكن السؤال الذي يطرحه طلحة جبريل على نفسه هو ما إذا كان هذا النمط من الحياة يترك له مساحة لتقدير لحظات الحياة البسيطة، مثل السينما أو البحر أو حتى مجرد الراحة. وإجابته الذاتية التي يصفها بـ”السؤال البليد” تكشف عن واقع مرير: أن الصحفي قد يبقى أسيرًا لقطاره، متنقلاً بين المدن والمهام دون أن يجد تلك اللحظة التي تتيح له التوقف والتفكر في كل ما أنجزه أو ما فقده على طول الطريق.