وهبي يرد على هيئة النزاهة: بين الدفاع عن الحكومة والتهرب من المسؤولية؟

0
67

في خضم النقاش العام حول الفساد في المغرب، يبرز عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، بلهجة قوية ودفاع صارم عن الحكومة. في أول جلسة له خلال الدورة التشريعية الخريفية أمام البرلمان، لم يتردد وهبي في الرد على تقرير “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” لعام 2023، الذي كشف عن مجموعة من الاختلالات في مجال مكافحة الفساد. وبينما قدم وهبي تبريراته، ظهرت أسئلة مهمة تتعلق بحقيقة جهود الحكومة ومدى جديتها في التصدي للفساد، وكشفت عن جوانب مسكوت عنها في هذا الملف الحساس.

هل يكفي الدفاع بالقانون؟

أشار وهبي إلى أن المغرب يمتلك ترسانة قانونية قوية لمحاربة الفساد، مثل قوانين غسل الأموال والمساطر الجنائية. من الناحية النظرية، هذه القوانين تُعتبر أساسية في أي نظام قضائي. لكن السؤال الذي يبقى بدون إجابة: هل تكفي القوانين وحدها لمحاربة الفساد في ظل الواقع المغربي؟

في كثير من الأحيان، تكون النصوص القانونية موجودة، ولكن التنفيذ هو العقبة الكبرى. يُطرح هنا سؤال جوهري: هل هناك إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ هذه القوانين بشكل فعّال؟ أظهرت تجارب سابقة أن بعض الشخصيات البارزة في النظام السياسي والاقتصادي قد تظل محصّنة ضد الملاحقة القضائية، مما يُضعف مصداقية هذه القوانين في أعين المواطنين. هنا، يجب على الحكومة أن تجيب عن سؤال مهم: من يراقب المراقب؟

التركيز على الأدلة: مطلب مشروع أم تهرّب؟

وزير العدل شدد على ضرورة تقديم أدلة ملموسة لتحديد جرائم الفساد، مُشيرًا إلى أن الاتهامات العامة لا تكفي لتحريك النيابة العامة. منطقياً، هذا المطلب يبدو معقولاً، ولكن السؤال الذي يجب طرحه هو: هل من السهل توفير هذه الأدلة في ظل بيئة تفتقر أحيانًا إلى الشفافية؟

تقديم الأدلة يتطلب وجود نظام رقابي قوي وآليات لحماية المبلغين عن الفساد. هنا نُطرح سؤالًا حرجًا: هل النظام القضائي المغربي يوفر الحماية الكافية للمبلغين؟ تشير تقارير دولية إلى أن المبلغين غالبًا ما يواجهون تهديدات أو يتعرضون للانتقام، مما يمنعهم من تقديم الأدلة. إذا كانت الحكومة جادة في محاربة الفساد، فإن توفير حماية فعّالة للمبلغين يجب أن يكون من أولوياتها.

الفساد: ظاهرة بنيوية أم مجرد حالات فردية؟

وهبي رفض فكرة أن المغرب غارق في الفساد من الألف إلى الياء، واعتبر أن بعض الانتقادات تهدف إلى تشويه صورة البلاد. لكن هنا يظهر التساؤل: هل الفساد في المغرب فعلاً ظاهرة فردية أم أنه مشكلة بنيوية أعمق؟

تقرير “الهيئة الوطنية للنزاهة” أشار بوضوح إلى أن الفساد أصبح “واقعاً بنيوياً”، مما يعني أنه متغلغل في مؤسسات الدولة ويحتاج إلى تغييرات هيكلية عميقة. إذا كان الفساد بنيوياً كما يقول التقرير، فهل يمكن للحكومة أن تكتفي بإجراءات جزئية أم أن هناك حاجة إلى إصلاحات جذرية؟

الفساد الانتخابي: الحقيقة المخفية

من بين النقاط التي أثارها وهبي هي صعوبة ضبط الرشوة الانتخابية، معتبرًا أنها من أصعب الجرائم التي يمكن تتبعها. هذه التصريحات تعكس اعترافًا بأن الفساد الانتخابي لا يزال يشكل تحديًا حقيقيًا للنظام الديمقراطي في المغرب. لكن السؤال الذي يبرز هنا: هل صعوبة ضبط الفساد الانتخابي تعني أن الحكومة عاجزة عن مكافحته؟

الفساد الانتخابي ليس مجرد جريمة فردية، بل هو انعكاس لثقافة سياسية تفتقر إلى الشفافية والمساءلة. الحكومة بحاجة إلى آليات أكثر فعالية لضمان نزاهة الانتخابات، مثل تعزيز الرقابة المستقلة واستخدام التكنولوجيا لضمان الشفافية. السؤال الذي يجب على وهبي الإجابة عنه هو: ما هي الخطوات الملموسة التي ستتخذها الحكومة للحد من الفساد الانتخابي؟

التحول الرقمي: هل هو الحل؟

في خطوة إيجابية، أشار وهبي إلى مبادرات التحول الرقمي في قطاع العدالة كجزء من الجهود لتعزيز الشفافية وتسريع الإجراءات القضائية. الرقمنة، بطبيعتها، تهدف إلى تقليل التدخل البشري وتقليص فرص الفساد. لكن هذا التحول يثير أسئلة أخرى: هل لدى المغرب البنية التحتية اللازمة لتنفيذ هذا التحول الرقمي؟

في ظل الحديث عن الابتكار والتكنولوجيا، يبقى السؤال حول كيفية تطبيق هذه الخطط على أرض الواقع، خاصة في المناطق الريفية أو الفقيرة حيث قد يكون الوصول إلى التكنولوجيا محدودًا. إذا كان التحول الرقمي يهدف إلى تعزيز العدالة والشفافية، فكيف ستضمن الحكومة أن يستفيد الجميع منه بالتساوي؟

التقرير الوطني للنزاهة: هل هو فرصة للتغيير؟

تقرير “الهيئة الوطنية للنزاهة” كان بمثابة جرس إنذار للحكومة، حيث كشف عن تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد لعام 2023. بدلاً من التعامل مع التقرير كمصدر للانتقاد، يجب على الحكومة أن تراه كفرصة لإعادة تقييم سياساتها وتعزيز جهودها في مكافحة الفساد.

السؤال المهم هنا: هل ستحقق الحكومة تقدمًا ملموسًا استجابة للتقرير، أم ستظل تنتقد الهيئة دون تقديم حلول فعلية؟ النقد وحده لا يكفي، والحكومة بحاجة إلى خطة عمل واضحة تعزز الشفافية وتعيد الثقة للمواطنين.

الخلاصة: محاربة الفساد بين النظرية والواقع

في ختام هذا التحليل، يبقى السؤال الرئيسي هو: هل تصريحات وهبي ودفاعه عن الحكومة كافية لإقناع الرأي العام بأن جهود مكافحة الفساد جادة وفعالة؟ على الرغم من وجود ترسانة قانونية وإجراءات معلنة، إلا أن الفجوة بين النظرية والتطبيق لا تزال كبيرة.

المعركة ضد الفساد تحتاج إلى أكثر من الدفاع عن صورة الحكومة أو المطالبة بالأدلة. إنها تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وشفافية حقيقية، وآليات فعالة لحماية المبلغين وتعزيز الرقابة. وحتى يتم معالجة هذه القضايا الجوهرية، سيظل السؤال حول مدى جدية الحكومة في مكافحة الفساد قائماً.