زيارة ماكرون إلى المغرب: صفقات استراتيجية بين تجميل واجهة العدوتين وواقع يومي مهمل

0
119

في كل مرة يزور فيها رئيس أو ملك المغرب، تتجهز البلاد لاستقبال رفيع على طرازٍ خاص، حيث تتحول المدن التي يشملها المسار إلى ورشة مفتوحة. الشوارع، التي كانت بالأمس مليئة بالحفر أو مهملة، تُعاد صياغتها بأيدٍ مئات العمال والبستانيين، وتتحول المساحات المليئة بالنفايات إلى حدائق مزينة بالأشجار والأزهار، بينما تُطلى الجدران وتتبدل معالم الشوارع بلمسات تجميلية تُظهر واجهات أنيقة وطرقًا معشبة تصطف عليها الأشجار. فجأة، تصبح الشوارع كأنها نسخة مصغرة من جادة الشانزليزيه في باريس، في مشهد يختزل مفارقة بين واجهة تُجمَّل خصيصًا لاستقبال ضيوف الدولة وواقعٍ يومي يفتقر للعناية المستدامة.

وسط هذه التحضيرات الاستثنائية، تستعد الرباط لاستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة رسمية بين 28 و30 أكتوبر، بدعوة من الملك محمد السادس. وتشير المؤشرات إلى أن هذه الزيارة قد تمثل نقطة انطلاق جديدة في العلاقات المغربية-الفرنسية، حيث تتطلع فرنسا، وسط تنافس متزايد من الصين وإسبانيا، إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع المغرب عبر توقيع اتفاقيات استراتيجية تشمل مجالات الدفاع، الطاقة، البنية التحتية، والتعليم.

صفقات عسكرية تعزز الشراكة الدفاعية بين الرباط وباريس

تأتي هذه الزيارة بآمال كبيرة لشركة “إيرباص”، التي تسعى لتوقيع عقد بيع 18 مروحية من طراز “كاراكال” لصالح القوات الجوية والدرك الملكي المغربي، مما يعكس التوجه نحو تعزيز التعاون الدفاعي. يُرتقب توقيع هذه الصفقة خلال “اللقاءات الاقتصادية المغربية-الفرنسية”، كجزء من جهود باريس لترسيخ موقعها كمزود أساسي للمعدات العسكرية في المغرب.

لكن، هل يمكن أن تؤسس هذه الصفقة لبداية استراتيجية دفاعية جديدة بين المغرب وفرنسا، في ظل المنافسة الإقليمية والتحديات الأمنية التي تواجه شمال إفريقيا؟

تجديد أسطول “الخطوط الملكية المغربية”: بوينغ أم إيرباص؟

تُعول “إيرباص” للطائرات التجارية على هذه الزيارة لتوقيع صفقة محتملة مع “الخطوط الملكية المغربية” (RAM) لتجديد أسطولها، عبر بيع طائرات من طراز A220 وA320 وA350. وإذا تمت هذه الصفقة، ستُسهم في تنويع أسطول الطيران المغربي الذي يعتمد بالأساس على طائرات “بوينغ” الأمريكية، مما قد يشكل تحولًا نحو تنويع الشراكات وتعزيز كفاءة الأسطول.

لكن يبقى التساؤل مطروحًا: هل سيساعد هذا التعاون في تقليل اعتماد المغرب على الطائرات الأمريكية، أم أنه سيظل محدودًا ضمن إطار التنويع؟

توسيع التعاون في مجالات الطاقة والمياه: تلبية الاحتياجات المغربية أم تعزيز النفوذ الفرنسي؟

تعيين وزير الرياضة ومسؤولياته في مشاريع الملاعب: هل تقع حكومة أخنوش الثانية في شبهة تضارب المصالح؟

تشمل الاتفاقيات المزمعة توقيعها مجالات الطاقة المتجددة وتحلية المياه، تماشيًا مع أولويات المغرب لمواجهة أزمة الإجهاد المائي وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. وتعزز هذه الخطوة من التوجهات الفرنسية للمساهمة في مشاريع حيوية داخل المغرب كجزء من خطط المملكة للتحضير لكأس العالم 2030 وكأس الأمم الإفريقية 2025.

لكن، هل ستتمكن فرنسا من تقديم حلول حقيقية تلبي احتياجات المغرب الملحة، أم أن هذه الاتفاقيات ستواجه تحديات في ظل وجود منافسين أقوياء مثل الصين؟

التعاون الأمني: هل تستطيع باريس تلبية احتياجات المغرب الأمنية؟

يبرز التعاون الأمني كأحد المحاور الأساسية في زيارة ماكرون، حيث تسعى فرنسا لتقديم دعم أمني وتقني يهدف إلى تعزيز القدرات الأمنية المغربية في مواجهة التحديات الإقليمية. ويثير هذا التوجه أسئلة حول مدى فعالية البرامج الأمنية الفرنسية، ومدى استجابة المغرب لتلك المبادرات في ظل تطلعاته لتطوير منظومته الأمنية وتعزيز الأمن الداخلي.

فهل يمكن لهذا التعاون أن يكون مكسبًا أمنيًا حقيقيًا للمغرب في مواجهة التهديدات المتزايدة في المنطقة؟

الاقتصاد المغربي وسط تنافس فرنسا مع قوى صاعدة

مع أن فرنسا تظل المستثمر الأجنبي الأول في المغرب، حيث تقدم الشركات الفرنسية حوالي 150,000 وظيفة عبر 1300 فرع داخل المملكة، تواجه باريس منافسة شرسة من الصين وإسبانيا اللتين حققتا مكاسب كبيرة في السوق المغربية. في عام 2022، استرجعت فرنسا مكانتها كثاني أكبر مورد للمغرب بعد إسبانيا، إلا أن هذا التقدم يكشف تحديًا متناميًا في ظل تزايد النفوذ الصيني والإسباني.

فهل ستنجح فرنسا في إعادة صياغة استراتيجيتها لمواكبة المنافسة الصاعدة؟

الشراكة الثنائية في مرحلة مفصلية: هل تظل باريس الشريك الأول للمغرب؟

تأتي زيارة ماكرون كفرصة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وإعادة تشكيل مسار التعاون في ظل التحولات الإقليمية والدولية. وبالرغم من التحديات الدبلوماسية، يتضح أن البلدين على استعداد لتجاوز الخلافات والبحث عن آفاق مشتركة. لكن تبقى الأسئلة قائمة حول مدى استجابة فرنسا لمتطلبات المغرب وطموحاته التنموية، وقدرتها على تجاوز المنافسة الدولية في المنطقة.

فهل ستكون هذه الزيارة فرصة لاستعادة زخم العلاقات الاقتصادية مع المغرب، أم أن المنافسة الإقليمية ستبقي التحديات قائمة أمام باريس؟