“في رسالة مفتوحة إلى ماكرون: بنكيران بين استياء سياسي ودعوة ضمنية لإعادة النظر في الشراكة المغربية-الفرنسية”

0
188

في خطوة غير معتادة، وجه عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية والرئيس الأسبق للحكومة المغربية، رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. انتقد فيها تصريحاته الأخيرة التي برر فيها “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” ردًا على الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023.

اعتبر بنكيران أن هذا التصريح يتجاهل واقع الاحتلال والجرائم المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ويعبر عن استياء عميق من الموقف الفرنسي. جاءت هذه الرسالة في وقت تشهد فيه العلاقات المغربية-الفرنسية توترات دفعت بالمراقبين للتساؤل عما إذا كانت تعكس تحولًا في السياسة المغربية تجاه فرنسا.

ماذا يريد ابن كيران أن يقول؟ وماذا لا يريد الإفصاح عنه؟

في الرسالة، أبدى بنكيران استياءه من خطاب ماكرون أمام البرلمان المغربي، ورفضه لوصف الهجوم الذي نفذته حماس بالعمل “الهمجي”. فقد أكد بنكيران على أن حماس، كحركة تحرر وطني، تمارس حقها المشروع في المقاومة. لكن هذا الاستياء لم يقتصر على القضية الفلسطينية فحسب، بل حاول بنكيران استخدام لغة دبلوماسية لنقل رسالة ضمنية للرئيس الفرنسي.

فبينما تنتقد الرسالة السياسة الفرنسية تجاه فلسطين، يبدو أن بنكيران أراد الإيحاء بأن استقرار الشراكة الاستثنائية بين المغرب وفرنسا مرهون بمواقف باريس تجاه قضايا تُعتبر حيوية لدى المغاربة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

توجيه النقد: لماذا الآن؟

طرح بنكيران رسالته في توقيت حساس، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول دوافعه. فهل جاء النقد في هذا التوقيت ليعكس تحولًا أوسع في السياسة المغربية تجاه فرنسا؟ أم أنه مجرد محاولة لتلبية مطالب داخلية متزايدة تدعو لتعزيز مواقف المغرب المستقلة، خاصة تجاه القضايا العربية والإسلامية؟ إن توقيت الرسالة، بعد أشهر من التوترات الدبلوماسية، يفتح المجال للتكهنات حول ما إذا كانت هذه الخطوة تحمل رسالة ضمنية للدول الأوروبية الأخرى التي تقف على الحياد أو تدعم إسرائيل بشكل غير مباشر.

ازدواجية المواقف الفرنسية: تناقضات تستوجب التوضيح

تناولت رسالة بنكيران مسألة الازدواجية في المواقف الفرنسية، حيث استنكر دعم ماكرون لإسرائيل وتساءل عن مدى اتساق هذا الموقف مع قيم فرنسا التي تأسست على مبادئ الحرية والمقاومة. أشار بنكيران إلى أن فرنسا، التي قاومت الاحتلال النازي وكانت منارة لحقوق الإنسان، تقف اليوم في صف دولة تمارس سياسات الإبادة والتهجير القسري ضد الشعب الفلسطيني.

يثير هذا التناقض تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكن لدولة مثل فرنسا، التي تفتخر بتاريخها المقاوم، أن تساند دولة تنتهك حقوق الإنسان في فلسطين؟

فلسطين وقضية الصحراء: أوجه الشبه في قضايا التحرر

استغل بنكيران الرسالة ليؤكد على موقف المغرب الثابت تجاه القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن المغاربة يرون في القضية الفلسطينية نفس الأهمية التي تحظى بها قضية الصحراء المغربية. هذا التوازي بين القضيتين قد يكون بمثابة تذكير للرئيس الفرنسي بأن المغرب لن يتنازل عن دعمه لقضايا التحرر، سواء كانت تخص أراضيه أو تخص أشقائه العرب.

وهنا يُطرح سؤال: هل سيواصل المغرب السير على هذا النهج الثنائي، داعمًا لقضيتي الصحراء وفلسطين، في ظل تزايد الضغوط الدولية والمعايير المزدوجة؟

رسالة مفتوحة للعالم أم للسياسة الداخلية؟

لا يمكن إغفال البعد الداخلي للرسالة، حيث تبدو كخطاب موجه إلى الشارع المغربي أيضًا، الذي يتعاطف بشكل كبير مع القضية الفلسطينية. ربما يسعى بنكيران، كزعيم سياسي وطني، إلى كسب تأييد الرأي العام المغربي وتعزيز مكانته السياسية من خلال هذه الرسالة.

ويطرح هذا التساؤل: هل كان بنكيران يوجه خطابه للعالم الخارجي فقط، أم أنه سعى أيضًا لتعزيز صورته السياسية في الداخل عبر الدفاع عن قضية تحظى بتأييد واسع بين المغاربة؟

خاتمة:

بغض النظر عن الأبعاد الداخلية أو الخارجية لهذه الرسالة، فإنها تضع فرنسا أمام تحدٍ كبير. فاستمرار موقفها الحالي من القضية الفلسطينية قد يؤثر على علاقتها التاريخية مع المغرب، ويضع مستقبل الشراكة الاستثنائية بين البلدين على المحك.

تظل رسالة بنكيران بمثابة دعوة صريحة لباريس لتوضيح موقفها وتبني نهج أكثر توازنًا. فالتحالفات الاستراتيجية لا تقوم فقط على المصالح الاقتصادية والسياسية، بل أيضًا على القيم المشتركة واحترام حقوق الشعوب.