في ظل الارتفاع المستمر لمعدل البطالة الذي بلغ 13.6%، تبرز تساؤلات ملحة حول جدوى سياسات التشغيل المعتمدة في المغرب. ورغم الجهود المعلنة من وزارة التشغيل لإيجاد حلول تقلل من نسب البطالة المتفاقمة، إلا أن هذه البرامج تبدو بعيدة عن معالجة جذور الأزمة. تفتقر هذه السياسات، في جوهرها، إلى استراتيجيات مبنية على دراسات ميدانية تستجيب لواقع سوق العمل ومتغيراته، ما يجعلها في نظر العديد حلولاً سطحية تفتقد للرؤية الاستراتيجية الشاملة. فهل يمكن اعتبار هذه السياسات سوى محاولات مؤقتة تغطي على إخفاقات أعمق؟
وفي هذا السياق، يظهر التقرير الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل في المغرب خلال الفصل الثالث من سنة 2024 استمرار التحديات المتعلقة بارتفاع البطالة وتفاقم ظاهرة “الشغل الناقص”. ورغم إحداث مئات الآلاف من فرص العمل في القطاع الحضري، إلا أن هذه المكاسب لم تكن كافية لتقليل معدلات البطالة بالشكل المرجو، مما يطرح تساؤلات حول فعالية السياسات المعتمدة ومدى قدرتها على مواكبة النمو السكاني والتغيرات الاقتصادية.
ارتفاع معدلات البطالة رغم خلق فرص عمل جديدة
سجل التقرير ارتفاعًا في عدد العاطلين عن العمل بـ 58 ألف شخص، ليبلغ عددهم الإجمالي على المستوى الوطني 1.683.000 شخص.
ويظهر التوزيع الجغرافي أن الزيادة في البطالة جاءت بشكل رئيسي من المناطق الحضرية، ما يطرح أسئلة حول طبيعة التحديات التي تواجهها المدن الكبرى في استيعاب الطلب المتزايد على فرص العمل.
فهل يعود السبب إلى انخفاض النمو الاقتصادي في بعض القطاعات؟ أم إلى محدودية التدخلات الحكومية في توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية؟
تفشي البطالة بين الفئات الشبابية والنسائية
تكشف المعطيات عن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، حيث بلغت نسبة البطالة للفئة العمرية بين 15 و24 سنة حوالي 39.5%. كما أن نسبة البطالة بين النساء تجاوزت 20%، وهو ما يعكس تحديات مضاعفة تواجه هذه الفئات في دخول سوق العمل.
كيف يمكن تفسير هذه النسب العالية؟ وهل تساهم السياسات التعليمية الحالية في تجهيز الشباب والنساء بالمهارات المطلوبة في سوق العمل؟
الشغل الناقص: مشكلة أخرى تتفاقم
يشير التقرير أيضًا إلى زيادة في معدل “الشغل الناقص”، الذي ارتفع إلى 10% على المستوى الوطني، ليبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من الشغل الناقص 1.066.000 شخص.
يعكس هذا الرقم تزايد الفجوة بين الوظائف المتاحة وتطلعات الأفراد، حيث يجد الكثيرون أنفسهم في وظائف غير مستقرة أو بدوام جزئي، مما يحد من قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة المتزايدة؟ وهل يمكن للتحفيزات الاستثمارية في قطاعات محددة أن تقلل من نسب الشغل الناقص؟
إحداث مناصب الشغل: بين البناء والخدمات وتراجع الفلاحة
رغم زيادة مناصب الشغل في قطاعي “الخدمات” و”البناء والأشغال العمومية”، إلا أن قطاع “الفلاحة والغابة والصيد” شهد فقدان 124.000 منصب شغل.
ويبدو أن هذا الانخفاض قد يكون مرتبطًا بتراجع دور القطاع الزراعي في الاقتصاد المغربي، إلى جانب التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية.
هل يعكس هذا التحول توجهًا نحو الاقتصاد الحضري على حساب القطاع الزراعي؟ وهل هناك خطط لتحديث القطاع الزراعي بما يضمن استدامته ويعزز استقراره؟
البحث عن حلول مستدامة
في ضوء هذه المعطيات، تبدو الحاجة ملحة للتفكير في حلول أكثر شمولية واستدامة. فبالإضافة إلى ضرورة توفير فرص عمل جديدة،
هناك حاجة لتطوير قطاعي التعليم والتدريب المهني بما يتماشى مع متطلبات السوق، وزيادة الاستثمار في القطاعات التكنولوجية والصناعات التحويلية.
يذكر أن وكالة “فيتش”، ثبتت التصنيف الائتماني للمغرب عند BB+ مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وفي أكتوبر الماضي، قالت وزيرة المالية المغربية نادية فتاح العلوي، إن الحكومة أعدت مشروع ميزانية تتوقع فيه تحقيق نمو اقتصادي بمعدل 4.6% في عام 2025 بعد أن توقعت نموا بنسبة 3.3% هذا العام.
وأضافت الوزيرة في بيان أن من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم 2%.