محكمة الجنايات بالرباط تبدأ محاكمة الاستقلالي محمد الحافظ بتهمة تبديد المال العام: هل سيكشف القضاء عن كل التفاصيل؟
شهدت قاعة المحكمة الجنائية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، اليوم الإثنين 11 نوفمبر 2024، انطلاق محاكمة محمد الحافظ، البرلماني عن حزب الاستقلال والرئيس السابق لجماعة سيدي قاسم للفترة الممتدة بين 2015 و2021. يُتهم الحافظ بتبديد المال العام وسوء إدارة مالية الجماعة، وهي تهم ثقيلة تلقي بظلالها على التسيير المحلي في المغرب وتدعو للتساؤل عن جدية الرقابة المالية وآليات المحاسبة في الشأن العام.
التهم: هل هي مؤشر على ثغرات أعمق في التسيير المالي؟
يواجه محمد الحافظ تهمًا تتعلق بتبديد نحو 5.5 مليار سنتيم، استنادًا إلى شكاية قدمها رئيس المجلس الجماعي الحالي لسيدي قاسم، وُضعت أمام المحكمة بتاريخ 18 أكتوبر 2024، تحت ملف رقم 10/2623/2024. وتشير الشكاية إلى أن هذه الأموال، التي لم يتم تحصيلها، ترتبط بإهمال واضح في تحصيل الضرائب الجماعية، لا سيما رسوم الأراضي غير المبنية ورسوم الأسواق الجماعية، ما يطرح تساؤلات حول مدى فاعلية الأنظمة المعمول بها لتحصيل هذه الرسوم الحيوية للخدمات المحلية.
من جهة أخرى، تبرز أسئلة حول مدى جدية الجماعات المحلية في فرض الغرامات على الشركات المكلفة بتدبير الخدمات العامة، إذ تُشير الشكاية إلى أن جماعة سيدي قاسم لم تتخذ الإجراءات اللازمة لفرض الغرامات على الشركة المكلفة بتدبير خدمات النظافة، ما يعكس ربما نمطًا من التهاون أو القصور في تنفيذ بنود التعاقدات المحلية. فهل هناك ضعف في الآليات الرقابية على العقود العامة، أم هو نقص في الكفاءات الإدارية المعنية بالمحاسبة والرقابة؟
الإهمال والتحصيل الضريبي: خسائر ضخمة وتأثيرات على التنمية المحلية
أحد أبرز النقاط في الشكاية يشير إلى تكبد الجماعة خسائر مالية كبيرة بسبب عدم تحصيل مستحقات تصل إلى 250 مليون سنتيم، كان من المفترض أن تُخصص للاستثمارات الجماعية. ويُضاف إلى ذلك مبلغ 716 مليون سنتيم كأحكام قضائية ضد الجماعة، نتيجة إهمال الرئيس السابق للالتزامات المالية. هذه الأرقام تطرح تساؤلات جوهرية حول الأثر الاقتصادي لإهمال التحصيل المالي على الجماعات المحلية: ما هو حجم التأثير الحقيقي لهذا الإهمال على المشاريع التنموية والخدمات العامة في سيدي قاسم؟ وكيف يمكن للمجالس المحلية تعزيز الكفاءة المالية لتجنب تكرار مثل هذه الحالات في المستقبل؟
توظيف الأعوان العرضيين: شبهة تضخم في النفقات لخدمة المصالح الانتخابية؟
تطرقت الشكاية إلى تفاصيل إضافية حول “الإفراط في المصاريف التشغيلية”، خاصةً تلك المتعلقة بتوظيف عدد كبير من الأعوان العرضيين خلال الحملة الانتخابية لعام 2021، وهو ما يفوق احتياجات الجماعة حسب الشكاية. يُثير هذا الشأن علامات استفهام حول دور المصاريف التشغيلية في الحملات الانتخابية ومدى استغلال الموارد العامة لدعم التوجهات السياسية لبعض الأفراد. فإلى أي مدى يتم استغلال المناصب العامة والموارد الجماعية لخدمة المصالح الشخصية أو الانتخابية؟ وكيف يمكن ضبط الإنفاق العام لضمان توجيهه لما يخدم المواطن أولاً وأخيرًا؟
من بين الاتهامات الأخرى، يُتهم الحافظ بالإفراط في نفقات تسيير وُصفت بأنها “مفرطة”، وهي مصاريف يفترض أن تكون موجهة لدعم مشاريع التنمية وخدمة المجتمع. هذا يُسلط الضوء على أهمية ضبط نفقات التسيير داخل الجماعات، خاصة أن هذه النفقات قد تُشكل عبئًا كبيرًا يُعيق تحقيق الأهداف التنموية. فهل تحتاج الجماعات المغربية إلى مراجعة سياسات الإنفاق لضمان توجيه الأموال نحو القطاعات ذات الأولوية؟ وما هو الدور الرقابي الذي يجب أن تلعبه الجهات المعنية لمنع تضخم النفقات غير الضرورية؟
القانون في مواجهة تبديد المال العام: هل تكفي المواد القانونية لردع المخالفات؟
يستند الاتهام إلى المادة 241 من القانون الجنائي المغربي، التي تجرم تبديد المال العام وسوء الإدارة المالية. ورغم أن هذه المادة تشكل إطارًا قانونيًا للحد من الفساد والتسيب المالي، يبقى التساؤل حول مدى كفاية النصوص القانونية الحالية في مواجهة مثل هذه الحالات، وهل هناك حاجة لتشديد العقوبات أو تحسين آليات الرقابة المالية لضمان حسن التصرف في الأموال العامة؟
في ظل المحاكمة التي بدأت اليوم، يتابع الشارع المغربي باهتمام هذه القضية، فهل ستكون هذه المحاكمة خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية والمحاسبة في الشأن العام؟