تعتبر مسرحية “عودة إيطو” التي كتبت نصها بديعة الراضي وأخرجها محمد زيات، من الأعمال المسرحية التي تتناول قضايا هامة ومعاصرة تتعلق بالهوية، العودة، والصراع الداخلي بين الإنسان وواقعه الاجتماعي. وقد قدم الناقد العربي الدوش قراءة نقدية للمسرحية، وهي قراءة تركز على القضايا الدرامية والشخصيات في العمل.
ولكن كما هو الحال مع كل قراءة نقدية، هناك مساحة لتوسيع هذه الرؤية وتعميق الفهم لأبعاد النص والإخراج.
في هذا المقال، سنتناول قراءة نقدية للنقد الذي قدمه العربي الدوش، ونناقش جوانب من القراءة التي قد تكون أغفلت، وكيف يمكن إعادة تفسير جوانب أخرى بطريقة أعمق.
1. اللغة والنص: إغفال الأبعاد الفلسفية
في قراءته لنص بديعة الراضي، يعترف العربي الدوش بجمالية اللغة وتوظيفها في خلق حالة من التوتر النفسي والشعبي، ولكنه يغفل عن تسليط الضوء على الأبعاد الفلسفية المعقدة التي يعالجها النص.
إيطو، الشخصية الرئيسية في المسرحية، ليست مجرد رمز للاغتراب والعودة فحسب، بل هي تمثيل لصراع أكبر بين الماضي والحاضر، وبين الذات والمجتمع.
اللغة في “عودة إيطو” تحمل بعدًا فلسفيًا عميقًا، إذ تستخدم أسلوبًا شعريًا لتناول قضايا التغيير الاجتماعي والتاريخي، كما أنها تعكس الازدواجية في الهوية بين الإنسان ومحيطه الاجتماعي.
نقد: كان من الأفضل أن يتناول العربي الدوش البُعد الفلسفي للغة في النص، وكيف أن الراديكالية في العودة إلى الجذور تتقاطع مع الغربة الداخلية للشخصية، وهو ما يتطلب تحليلًا أعمق للنص من منظور الفكر الفلسفي.
2. الشخصيات والرمزية: قراءة سطحية للصراع الداخلي
العربي الدوش يقدم تحليلًا جيدًا للشخصيات، ويشير إلى الصراع الداخلي الذي يعاني منه “إيطو” بعد العودة إلى الوطن. ولكن القراءة لا تتعمق بشكل كافٍ في الرمزية التي تحملها الشخصية.
في المسرحية، “إيطو” لا يمثل فقط شخصًا عاد من الغربة، بل هو تجسيد للصراع الكوني بين الهويات المتعددة التي يتشكل منها الإنسان المعاصر.
يمكن رؤية الشخصية على أنها تمثل الفجوة بين الجيل القديم والجديد، أو بين الثقافات المتنوعة التي يتفاعل معها الفرد في عصر العولمة.
نقد: كان من المفيد أن يتناول الناقد الرمزية في “إيطو” بشكل أوسع، خاصة في سياق التغيرات الثقافية والاجتماعية التي يعايشها المجتمع المغربي اليوم.
هل “إيطو” هو مجرد فرد؟ أم أنه تمثيل لظاهرة أكبر تتعلق بالحركة الثقافية والاجتماعية في المغرب؟
3. الدراماتورجيا: قصر التحليل على البنية التقليدية
العربي الدوش يتناول البناء الدرامي للمسرحية ويعترف بالتصاعد التدريجي للأحداث. لكن القراءة تقتصر على البنية التقليدية للعمل، وتغفل التفاعل المعقد بين النص والمكان والأداء.
الإخراج في “عودة إيطو” لا يعتمد فقط على التصعيد التقليدي للأحداث، بل على تداخل الزمان والمكان وتوظيف المؤثرات البصرية والنفسية التي تساهم في خلق جو من الاغتراب الداخلي والخارجي.
يُظهر محمد زيات كيف أن المسرحية لا تتقيد بالبنية التقليدية، بل تمتاز بالانفتاح على أشكال غير خطية في السرد.
نقد: كان يجب أن يقدم العربي الدوش تحليلاً أوسع للدراماتورجيا من حيث الأسلوب غير التقليدي الذي اعتمده الإخراج. كيف تتداخل المؤثرات البصرية والصوتية مع النص لإضفاء عمق شعوري ونفسي على العمل؟ وكيف يعزز ذلك من فهم الصراع الذي يعيشه “إيطو”؟ كان يمكن للناقد أن يوسع هذا الفهم ليشمل التأثيرات التقنية والإبداعية على التفاعل مع الجمهور.
4. الإخراج: تجاهل للأبعاد النفسية والجمالية
العربي الدوش يُشيد بإخراج محمد زيات بشكل عام، لكن يغفل تحليل الأبعاد النفسية والجمالية التي قدمها زيات من خلال تصميم المناظر والمكان. المسرحية لا تعكس فقط التحولات الشخصية للممثلين، بل تبني مساحة رمزية للجمهور ليعيش تجربة الاغتراب والعودة مع الشخصية.
الضوء في “عودة إيطو” ليس مجرد وسيلة للإضاءة، بل هو عنصر يُستخدم لتعزيز التوتر النفسي، ويصبح أداة للرؤية الداخلية والخارجية للشخصية.
نقد: على الرغم من إشادة الدوش بالإخراج، كان من الأفضل أن يتناول بشكل أعمق كيف أن الإضاءة والديكور لا يعملان فقط كأدوات تقنية، بل هما جزء من التجربة النفسية والجمالية التي يعيشها الجمهور.
كيف تساهم هذه الأدوات في تكثيف معاناة “إيطو” والمشاهدين من خلال تقديم مكان يغرق في العزلة والضياع؟
5. التفاعل مع الجمهور: غياب التحليل الفكري والنقدي
العربي الدوش يتحدث عن التفاعل العاطفي للجمهور مع المسرحية، ولكنه يقتصر في تحليله على تأثير المشاعر السطحية التي تثيرها المسرحية، دون أن يعرج على التفاعل الفكري الذي تطرحه المسرحية.
“عودة إيطو” ليست مجرد لحظة عاطفية، بل هي دعوة لطرح أسئلة فلسفية حول الانتماء والتغييرات الثقافية التي يواجهها الإنسان المعاصر. المسرحية تتحدى الجمهور على المستوى الفكري، وتدعوه للتساؤل عن هويته في عالم متغير.
نقد: كانت القراءة النقدية للعربي الدوش بحاجة إلى تناول التفاعل الفكري للجمهور مع الموضوعات التي تطرحها المسرحية.
هل يتفاعل الجمهور مع العمل على مستوى عاطفي فقط، أم أن المسرحية تفتح لهم بابًا للتفكير في قضايا أعمق مثل الهويات المتعددة والاغتراب الثقافي؟ كان يجب على الناقد التركيز على هذه الأبعاد الفكرية في تحليل التفاعل مع الجمهور.
خاتمة:
القراءة النقدية التي قدمها العربي الدوش للمسرحية تظل قيمة ومؤثرة في تسليط الضوء على جوانب عديدة من العمل، لكن هناك العديد من الجوانب التي لم يتم التطرق إليها بشكل كافٍ.
النقد الذي قدمه يتسم بالسطحية أحيانًا، إذ يغفل الأبعاد الفلسفية والرمزية التي تكمن في النص، وكذلك التفاعل العميق بين الدراماتورجيا والتقنيات المسرحية.
إن “عودة إيطو” هي عمل معقد يتجاوز البُعد العاطفي ويطرح قضايا وجودية وثقافية تتطلب تحليلًا نقديًا أعمق وأكثر شمولية.