“رئيس المحكمة الدستورية: غياب الإحالة البرلمانية يعيق دور القضاء الدستوري ويستدعي المحاسبة”

0
107

في محاضرة علمية ألقاها بكلية الحقوق أكدال بالرباط، استعرض رئيس المحكمة الدستورية، محمد أمين بنعبد الله، القضايا الجوهرية التي تواجه الرقابة الدستورية في المغرب. حملت المحاضرة عنوان “المراقبة الدستورية بالمغرب: تأصيل، تطور وآفاق”، وركزت على دور المؤسسات التشريعية والقضائية في ضمان توافق القوانين مع الدستور، مع تسليط الضوء على مسؤوليات البرلمان والتحديات التي تواجه المحكمة الدستورية.




 

غياب إحالة القوانين من البرلمان: قصور في المسؤولية التشريعية؟

انتقد بنعبد الله ما وصفه بـ”غياب المبادرة” لدى رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين في إحالة القوانين المثيرة للجدل إلى المحكمة الدستورية. أشار إلى أن هذا التقصير يضع البرلمان أمام تساؤلات حول دوره الحقيقي في الرقابة التشريعية. فرغم أن الإحالة ليست إلزامية، إلا أنها تمثل أداة ضرورية لضمان تطابق التشريعات مع الدستور.

السؤال المطروح هنا: هل يرى البرلمان أن إحالة القوانين عبء إضافي أم مسؤولية أساسية لتعزيز الثقة في المنظومة القانونية؟ وكيف يمكن تحسين الآليات الداخلية للبرلمان لتفعيل دوره الرقابي بشكل أكبر؟

أهمية الرقابة الدستورية: حماية الحقوق وتطهير القوانين

أوضح رئيس المحكمة أن القضاء الدستوري لا يسعى إلى التصادم مع المؤسسات، بل يعمل على “تطهير القوانين” وضمان تطابقها مع المبادئ الدستورية. ورغم إصدار المحكمة لـ246 قرارًا منذ إنشائها عام 2017، لم تتجاوز القرارات المتعلقة بالقوانين العادية خمسة فقط.

يشير هذا الرقم إلى خلل في تفعيل آليات الرقابة، سواء من خلال نقص إحالة القوانين أو ضعف جودة التشريعات قبل عرضها. هل تحتاج المؤسسة التشريعية إلى بناء لجان خاصة لضمان دستورية القوانين قبل إقرارها؟ أم أن الحل يكمن في تعزيز التعاون بين البرلمان والمحكمة؟

التحديات العملية لعمل القاضي الدستوري

وصف بنعبد الله عمل القاضي الدستوري بأنه “من أخطر المهن القانونية”، مشددًا على أن قراراته تكون نهائية وغير قابلة للإلغاء. وهذا يُبرز أهمية الدقة والكفاءة في عمل القضاة الدستوريين، حيث يكون لأي خطأ أثر دائم.

لكن كيف يمكن ضمان التوازن بين الالتزام بالمبادئ الدستورية ومراعاة السياقات الاجتماعية والسياسية؟ وكيف يمكن تعزيز الكفاءة الفنية للقضاة الدستوريين لضمان حماية أفضل للحقوق؟

التواصل الأكاديمي: نحو شراكة لبناء ثقافة دستورية

رغم التزام القضاة بواجب التحفظ، أكد رئيس المحكمة أن التواصل مع الأوساط الأكاديمية يظل ضرورة لتطوير الفكر القانوني وتعزيز الثقافة الدستورية. وأشار إلى أهمية النقاش بين المحكمة والجامعة لتحسين فهم النصوص القانونية وتفسير الدستور.

هذا التفاعل يمكن أن يُسهم في تقليص فجوة الفهم بين المؤسسات القانونية والمجتمع، لكنه يثير التساؤل: كيف يمكن تنظيم هذا التواصل لضمان الحفاظ على استقلالية القضاء من جهة وتعزيز دوره التنويري من جهة أخرى؟

الرقابة الدستورية: جذور تاريخية وآفاق معاصرة

تطرق بنعبد الله إلى أصول الرقابة الدستورية في الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى حديث معاذ بن جبل كمثال على الاجتهاد والالتزام بالقواعد العليا. وأكد أن هذه القيم التاريخية تتقاطع مع مبادئ القانون الحديث.

وفي سياق التطور المغربي، استعرض رئيس المحكمة المراحل المختلفة للرقابة الدستورية، بدءًا من الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى، مرورًا بالمجلس الدستوري، وصولًا إلى المحكمة الدستورية الحالية التي عزز دستور 2011 صلاحياتها بإدخال الدفع بعدم الدستورية.

تعزيز آليات الرقابة: بين التحدي والضرورة

رغم التطورات المؤسسية، يبدو أن المحكمة الدستورية بحاجة إلى دعم أكبر من البرلمان والمؤسسات الأكاديمية.

  • على البرلمان تبني آليات جديدة، مثل تشكيل لجان دائمة لفحص القوانين قبل إقرارها.

  • تحتاج المحكمة إلى فتح قنوات حوار منتظمة مع الأوساط العلمية والمجتمع المدني لنشر الوعي بدورها.

خاتمة: نحو منظومة قانونية أكثر عدالة

تكشف محاضرة محمد أمين بنعبد الله عن تحديات كبيرة تواجه الرقابة الدستورية في المغرب. وبينما حققت المحكمة خطوات مهمة في تطهير القوانين وحماية الحقوق، يبقى تحسين التعاون بين المؤسسات ضروريًا لتعزيز الثقة في النظام القانوني.

لذلك، فإن تطوير آليات الرقابة البرلمانية والتواصل مع المحكمة الدستورية يمثلان ركيزتين أساسيتين لتحقيق منظومة قانونية تتماشى مع تطلعات المجتمع.