في خضم الصراعات الدولية التي تعصف بالعالم، برزت قضية اليمنيين المجندين في الحرب الروسية-الأوكرانية كأزمة إنسانية تكشف عن أبعاد استغلال المهاجرين واللاجئين من دول النزاع. صحيفة فاينانشال تايمز سلطت الضوء على معاناة هؤلاء الشباب الذين وجدوا أنفسهم عالقين في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مدفوعين غالبًا باليأس والبحث عن فرص أفضل في حياة ملأتها الصراعات الداخلية والتشرد.
المأساة الحقيقية تبدأ عندما تُستغل حاجة المهاجرين وضعفهم لتجنيدهم في صراعات معقدة، الأمر الذي دفع الاتحاد العالمي للمهاجرين اليمنيين إلى اتخاذ موقف إنساني حازم للتصدي لهذه الظاهرة.
رئيس مجلس أمناء الاتحاد، علي الصباحي، أكد أن الاتحاد عمل منذ اللحظة الأولى لتلقي البلاغات عن وجود يمنيين في ساحات القتال على إطلاق حملات إعلامية مكثفة والضغط على الجهات الدولية والإقليمية المعنية، بما في ذلك التواصل المباشر مع الجانب الروسي.
هذا التحرك لم يكن مجرد رد فعل، بل نهجًا إنسانيًا يعكس قناعة الاتحاد بأن الدم اليمني أثمن ما يملك، وأن حمايته من مخاطر الحروب واجب وطني وأخلاقي. جهود الاتحاد أثمرت عن إنقاذ مجموعة من الشباب وإعادتهم إلى بلدان آمنة مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وهي خطوات حاسمة ساعدت في إنقاذ أرواح كانت على وشك الضياع في معترك الحروب.
هذه الأزمة لا تقتصر على أبعادها الإنسانية فقط، بل تثير تساؤلات عميقة حول الأسباب والدوافع التي تقود شبابًا يمنيين إلى مثل هذه المصائر. هل هي الحاجة المادية التي تدفعهم لقبول المجازفة؟ أم أن هناك أطرافًا تستغل أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لتوريطهم في صراعات بعيدة عن قضاياهم الوطنية؟ الواقع يؤكد أن كثيرًا من هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في دوامة لا يستطيعون الخروج منها، وهو ما يبرز الحاجة الملحة إلى حماية المهاجرين من الوقوع في براثن التجنيد غير المشروع.
التصدي لهذه القضية يفرض على المجتمع الدولي مسؤولية أكبر في وضع حد لهذا الاستغلال. يجب تعزيز الآليات القانونية التي تضمن محاسبة الوسطاء والمنظمات المتورطة في تجنيد المدنيين، مع تكثيف التعاون الدولي لضمان الحماية الإنسانية للمهاجرين.
جهود الاتحاد العالمي للمهاجرين اليمنيين تُعد نموذجًا ملهمًا يمكن البناء عليه، لكنها ليست كافية وحدها لتغيير الواقع. فالحاجة إلى تدخل دولي أكثر شمولًا وفعالية تظل ملحة، خاصة في ظل استمرار النزاعات الدولية التي لا تعترف بحقوق الإنسان في ظل مصالحها المتشابكة.
في النهاية، قضية اليمنيين في الحرب الروسية-الأوكرانية تعكس التحديات الكبرى التي تواجه المهاجرين واللاجئين من مناطق النزاع.
وبينما تقدم الجهود الحالية بصيص أمل في إنقاذ المتضررين، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تكون هذه الأزمة بداية لتحرك دولي يعيد ترتيب الأولويات الإنسانية؟ أم أن استغلال الفقراء في صراعات لا تعنيهم سيظل واقعًا مريرًا يتكرر في كل أزمة؟ الإجابة على هذه الأسئلة تحدد مستقبل الملايين من المستضعفين حول العالم.