التناقض بين ثوابت الحسن الثاني وتصريحات وزير الأوقاف: المغرب بين إرث إمارة المؤمنين وتحديات العصر

0
80

تصريحات الراحل الملك الحسن الثاني بشأن العلمانية، التي أكد فيها استحالة الجمع بين الإسلام والعلمانية، لطالما كانت مرجعًا في فهم العلاقة بين الدين والدولة في المغرب.

هذه التصريحات تجسدت كجزء من إرث “إمارة المؤمنين”، التي تقوم على حماية الثوابت الدينية للمغاربة.

إلا أن التطورات الأخيرة، وعلى رأسها تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق في البرلمان، تفتح باب التساؤل حول التوازن بين هذا الإرث والتحديات الحديثة التي تواجه المملكة.

ثوابت إمارة المؤمنين: الإسلام كمرجعية ثابتة

في خطاباته، كان الحسن الثاني واضحًا في رؤيته أن العلمانية تتعارض جوهريًا مع الإسلام. فهو يرى أن هوية المغرب الدينية لا يمكن أن تكون قابلة للتفاوض أو التغيير، وأن التمسك بالقيم الإسلامية يتناقض مع أي محاولة لدمج مفاهيم العلمانية الغربية.

هذه الرؤية ترسخت كجزء من مفهوم “إمارة المؤمنين”، التي تجعل من الملك الضامن لحماية الدين الإسلامي وقيمه، في انسجام مع الهوية الوطنية.

تحت قيادة الملك محمد السادس حفظه الله، تستمر إمارة المؤمنين كمرجعية أساسية، ولكن مع تطوير أدواتها وخطابها لتتناسب مع التحديات الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق، نجد تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي أكدت على أن الإسلام المغربي نموذجٌ “معتدل” يتماشى مع “متغيرات العصر”، ما يثير التساؤل حول ما إذا كانت هذه التصريحات مجرد تعبير عن تطور في الخطاب الرسمي أم أنها تعكس تحولاً استراتيجياً.

الوزير التوفيق: قراءة جديدة أم تجاوز للثوابت؟

في كلمته الأخيرة أمام البرلمان، أشار التوفيق إلى أن المغرب يسعى لدعم جاليته في الخارج عبر نموذج إسلامي متوازن يتماشى مع القيم العالمية الحديثة.

وطرح قضايا مثل توفير التأشيرات للأئمة والوعاظ المغاربة في أوروبا، وهو ما يعكس سعيًا دبلوماسيًا لخلق توازن بين متطلبات الدول المضيفة وهويتهم الإسلامية.

وزير الأوقاف توفيق: وزير الداخلية الفرنسي صُدم عندما قلت له إننا علمانيون بنهج مغربي معتدل

لكن مقارنة هذه التصريحات بثوابت الحسن الثاني تبرز جدلًا: هل يعبر التوفيق عن رؤية جديدة للسياسة الدينية للمغرب؟ أم أنه يتجاوز إطار الثوابت الراسخة التي تقوم عليها إمارة المؤمنين؟ هنا تكمن الإشكالية.

فمن جهة، يعكس حديث الوزير مرونة في التعامل مع التحولات الجيوسياسية والدينية في الغرب، خاصةً في ظل صعود تيارات علمانية صارمة.

ومن جهة أخرى، يمكن أن تُفسَّر تصريحاته كإشارة إلى تقارب غير مباشر مع بعض جوانب العلمانية، ما قد يبدو متناقضًا مع الموقف التقليدي للدولة.

التحديات في السياق الدولي

تصريحات التوفيق تأتي في وقت تواجه فيه الجالية المغربية في أوروبا تحديات متزايدة مرتبطة بتنامي الإسلاموفوبيا وصعود خطاب يميني متطرف.

في هذا السياق، يبدو أن المغرب يحاول تقديم نفسه كنموذج لحل هذه الإشكالية من خلال “إسلام مغربي” يتماشى مع قيم العصر.

إلا أن هذا النهج يطرح أسئلة معقدة:

  • هل يمكن للمغرب أن يحافظ على هويته الإسلامية الصارمة في إطار التحديات التي تواجهها دول أوروبا العلمانية؟

  • هل تسعى تصريحات التوفيق إلى تجميل صورة الإسلام في الغرب أم إلى إيجاد حلول واقعية للجاليات المغربية؟

  • إلى أي مدى يمكن لهذا النموذج المعتدل أن ينسجم مع إرث إمارة المؤمنين دون أن يُنظر إليه كتنازل عن الثوابت؟

إمارة المؤمنين: بين الثوابت والتجديد

ما يجدر التذكير به هو أن إمارة المؤمنين تحت قيادة الملك محمد السادس لم تتخلَّ عن الثوابت التي أرساها الحسن الثاني، بل أعادت صياغتها بما يتلاءم مع العصر. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم تصريحات الوزير التوفيق كجزء من استراتيجية تُوازن بين متطلبات الحاضر والإرث التاريخي.

التطور في الخطاب لا يعني بالضرورة تناقضًا مع الثوابت، بل قد يكون تعبيرًا عن نهج أكثر براغماتية يتعامل مع المتغيرات العالمية. فبينما أكد الحسن الثاني على استحالة الجمع بين الإسلام والعلمانية، فإن السياق اليوم مختلف، حيث يسعى المغرب إلى تقديم “نموذج مغربي” يُعزز مكانته كدولة تجمع بين الأصالة والحداثة.

خاتمة: بين الثبات والتحول

التناقض بين ثوابت الماضي وتصريحات الحاضر ليس بالضرورة مؤشرًا على تجاوز للثوابت، بل هو انعكاس لتغير الزمن والسياقات. تحت إمارة المؤمنين، يظل الإسلام المغربي هو الركيزة الأساسية، ولكن بمرونة تسمح بمواجهة التحديات العالمية دون التفريط في الهوية.

يبقى السؤال المفتوح: هل هذه التصريحات هي بداية لتحول عميق في السياسة الدينية للمغرب أم أنها مجرد استجابة ظرفية لتحديات عابرة؟ الإجابة ستتضح في ضوء قدرة المغرب على الحفاظ على التوازن الدقيق بين الثوابت والمرونة في مواجهة العالم المتغير.