يُعد قرار حكومة بنكيران في نهاية 2015 بتحرير أسعار المحروقات واحدًا من أهم القرارات الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد المغربي. ورغم أن الهدف المعلن من هذا القرار كان خلق سوق تنافسي يخفض الأسعار ويعزز الكفاءة الاقتصادية، فإن الواقع الميداني أثبت أن تحرير الأسعار لم يسفر عن النتائج المتوقعة بل زاد الأعباء على المواطن المغربي.
الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، يعتبر أحد أبرز الأصوات المنتقدة لهذا القرار، ويشدد على أن تحرير الأسعار أسهم في زيادة معاناة المواطنين ورفع الأسعار بشكل غير مبرر.
الوعود الاقتصادية: لماذا لم تحقق الحكومة أهدافها؟
كان يُفترض أن يؤدي تحرير أسعار المحروقات إلى تعزيز المنافسة وتقليل الأسعار بفضل عرض أكبر للمنتجات وتنافس الشركات على تقديم أسعار أقل. لكن، ومن خلال نظرة فاحصة على السوق منذ تطبيق القرار، يتبين أن الأسعار لم تنخفض بل شهدت زيادات متتالية مع تقلبات غير متوقعة.
في الواقع، ما كشفت عنه المؤشرات والأرقام من خلال تصريحات اليماني هو أن أسعار المحروقات يجب أن تتراوح ما بين 10.13 درهم للغازوال و11.08 درهم للبنزين في النصف الأول من ديسمبر 2024، بناءً على المعايير الاقتصادية الدولية مثل أسعار النفط في السوق العالمية وتكاليف النقل والتخزين.
هذه الأرقام تشير إلى أن الأسعار قد تم رفعها بشكل غير مبرر مقارنة بالتوقعات الأولية التي كانت تروج لها الحكومة في فترة اتخاذ القرار. وبحسب اليماني، فإن تحرير الأسعار لم يسهم في خفض الأسعار، بل فتح الباب لزيادة أرباح الشركات الكبرى العاملة في قطاع النفط والغاز على حساب القدرة الشرائية للمواطن.
الممارسات الاحتكارية في سوق المحروقات
واحدة من أكبر المخاوف التي يطرحها الحسين اليماني هي الممارسات الاحتكارية التي انتشرت في السوق بعد التحرير. يشير اليماني إلى أن هناك تقاربًا غير مبرر في الأسعار بين الشركات الكبرى العاملة في قطاع المحروقات، حيث يتم رفع الأسعار في نفس الوقت وبنسب متقاربة، رغم وجود تفاوت كبير في هوامش الأرباح. هذه الممارسات تشير إلى وجود احتكار في السوق، حيث يتم التنسيق بين الشركات الكبرى لزيادة الأسعار بدلاً من خفضها أو إبقائها مستقرة في مستويات معقولة.
ورغم محاولات مجلس المنافسة للحد من هذه الممارسات، إلا أن التدخلات الحكومية ظلت غير فعالة في وضع حد لهذه الظاهرة. ويُثار تساؤل رئيسي هنا: هل هناك مصالح متشابكة بين الحكومة والشركات الكبرى التي تُعزز من استمرار هذا الوضع؟
إحياء “سامير” كحل مستقبلي
إحدى الحلول التي يطرحها اليماني للخروج من هذه الأزمة هو إعادة تشغيل مصفاة “سامير”، التي كانت تساهم بشكل كبير في إنتاج وتكرير النفط المحلي وتوفير احتياجات السوق المحلية من المحروقات. يرى اليماني أن إحياء هذه المصفاة سيكون له تأثير إيجابي مباشر على تخفيض الأسعار وتقليل الاعتماد على استيراد المحروقات من الخارج. لكن المشكلة تكمن في الضغوط الدولية والمحلية التي أدت إلى إغلاق هذه المصفاة، ما أضعف قدرة المغرب على التحكم في سوق المحروقات.
إعادة تشغيل “سامير” لن تقتصر فقط على خفض الأسعار، بل ستساهم أيضًا في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية للمغرب في قطاع الطاقة، وتقليل الآثار السلبية المترتبة على ارتفاع الأسعار، مثل التضخم وزيادة تكاليف الإنتاج في القطاعات الاقتصادية الأخرى.
أسئلة مفتوحة حول تحرير الأسعار
مع كل هذه التساؤلات حول فعالية قرار التحرير، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للمغاربة الاستمرار في تحمل هذه السياسات على المدى البعيد؟ ماذا يحدث عندما لا تتحقق الوعود التي تروج لها الحكومة؟ وما الذي يمنع الحكومة من إعادة تشغيل “سامير” رغم أهميتها الاقتصادية الكبرى؟
هل هناك تضارب مصالح بين الحكومة والشركات الكبرى في قطاع المحروقات؟ وهل سيستمر المواطنون في دفع ثمن هذه السياسات الاقتصادية الفاشلة، في وقت يعانون فيه من ارتفاع غير مبرر للأسعار؟
الخلاصة: استعادة السيطرة على سوق المحروقات
ما أصبح واضحًا اليوم هو أن قرار تحرير أسعار المحروقات في المغرب لم يُحقق الأهداف التي وُعد بها. بدلاً من أن يؤدي إلى خفض الأسعار وتعزيز المنافسة، أصبح تحرير الأسعار مدخلًا لزيادة الأسعار وخلق بيئة غير عادلة في السوق لصالح الشركات الكبرى.
الحل الأنسب يكمن في العودة إلى سيطرة الدولة على السوق من خلال إعادة تشغيل مصفاة “سامير” وتفعيل سياسة الطاقة الوطنية التي تضمن استقلالية البلاد في تكرير النفط وتوفير المحروقات بأسعار معقولة للمواطنين.
في غياب هذه الإجراءات، سيظل المغاربة هم الضحية الوحيدة لهذا القرار الذي لم يُراعِ مصلحة المواطن البسيط، بل أدى إلى تآكل قدراتهم الشرائية بشكل مستمر.
التوصيات:
-
التخطيط الاستراتيجي للعودة إلى تكرير البترول المحلي عبر إحياء “سامير” وتفعيل مشاريع بنية تحتية جديدة.
-
تشديد الرقابة على شركات المحروقات لضمان عدم حدوث ممارسات احتكارية تضر بالمستهلكين.
-
إعادة النظر في سياسة تحرير الأسعار وتفعيل ضوابط حكومية تكفل استقرار الأسعار بما يتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين.