أعادت الجلسة البرلمانية الأخيرة تسليط الضوء على مفارقات الوضع السياسي في المغرب، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة من قبل المعارضة لحكومة عزيز أخنوش.
في هذه الجلسة، تصدرت قضايا التنمية والبنية التحتية نقاشات النواب، لكن الخطاب الحكومي تميز بشكل لافت بتركيزه المستمر على التوجيهات الملكية باعتبارها الأساس الذي يوجه السياسات الحكومية في جميع مجالات الاقتصاد والاجتماع.
خطاب الحكومة: “التوجيهات الملكية” كدرع دفاعي
منذ بداية الجلسة، حرص رئيس الحكومة على التأكيد أن معظم المشاريع التنموية التي تقوم بها الحكومة جاءت بناءً على التوجيهات الملكية. في عدة نقاط من خطابه، أشار أخنوش إلى أن الحكومة تعمل على تحسين البنية التحتية، ودفع النمو الاقتصادي، وزيادة الاستثمارات، ولكن جميعها وفق رؤية استراتيجية ملكية تهدف إلى تحقيق العدالة المجالية والتنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وبذلك، تتخذ الحكومة موقفًا دفاعيًا قويًا يرتكز على فكرة أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق القيادة الملكية، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات مستقلة دون التأثير المباشر من القصر.
النقد البرلماني: هل فعلاً الحكومة تعمل بما فيه الكفاية؟
في المقابل، أعربت المعارضة، وعلى رأسها النائبة نبيلة منيب، عن قلقها الشديد حيال تأخر التنمية في العديد من المناطق، خصوصًا في القرى والمناطق النائية. ومن خلال خطابها، أشارت إلى أن المشاريع التنموية الكبرى التي تروج لها الحكومة لم تكن كافية لمعالجة التفاوتات الاجتماعية بين مختلف الجهات.
كما تساءلت عن المصالحة التاريخية مع المناطق المهمشة وكيفية التعويض عن الأضرار التي خلفتها السياسات السابقة مثل قضية نزع الملكية والتحفيظ الجائر للأراضي.
وربطت النائبة بين المشاريع الكبرى التي يروج لها البعض وبين التحديات الاجتماعية التي تواجه المواطنين في المناطق البعيدة عن التجهيزات الأساسية مثل الماء والكهرباء.
وانتقدت منيب بشدة “النموذج التنموي” الذي يراه بعض المسؤولين جديدًا، في حين أنه لا يزال يعاني من نقص كبير في تحقيق العدالة المجالية.
“الفوضى البرلمانية: مسار المساءلة السياسية بين الشعبوية والتضليل في مواجهة تحديات الحكومة”
الدور البرلماني: بين المساءلة والامتثال للخطاب الحكومي
في هذا السياق، يتساءل الكثيرون عن دور البرلمان في مساءلة الحكومة، لا سيما عندما يتم التلويح بالتوجيهات الملكية كسبب أساسي وراء جميع القرارات والسياسات. هنا تبرز الحاجة إلى فهم أعمق لمدى قدرة البرلمان على التأثير الحقيقي في اتخاذ القرارات في سياق يسود فيه خطاب “الاستجابة” لالتوجيهات الملكية. هل بات البرلمان مجرد أداة تصديق على مشاريع الملكية، أم أنه يعمل كحاجز رقابي على الحكومة؟
إلى جانب ذلك، تطرح الأسئلة نفسها حول مدى الشفافية في إدارة الموارد والمشاريع الكبرى، خصوصًا في ظل النقاشات حول كيفية توزيع الاستثمارات وما إذا كانت هذه الاستثمارات تضمن الفوائد المستدامة لجميع المواطنين أم تقتصر على مناطق دون أخرى.
أخنوش: “استثمارنا في البنية التحتية هو استثمار في المستقبل”
من جانب الحكومة، يأتي الرد مستمرًا في التشديد على أن الاستثمارات في البنية التحتية هي الأساس لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
يعتقد رئيس الحكومة أن بناء المدارس، المستشفيات، الطرق، والمطارات هو ما سيضمن تحقيق التنمية المجتمعية. وكما أشار، فإن هذه الاستثمارات ستدعم النمو الوطني وتخلق فرص عمل جديدة.
ومع ذلك، لا يزال السؤال قائمًا حول ما إذا كانت هذه المشاريع موزعة بشكل عادل أم أن هناك مناطق ستحظى بفرص أكبر من غيرها.
هل هذه الجهود كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية؟
بعيدًا عن خطاب الحكومة عن التنمية، يظل التحدي الأكبر هو العدالة الاجتماعية التي يجب أن تشمل جميع مناطق المغرب، بما في ذلك الجنوب والريف.
في هذا السياق، يظل إعطاء الأولوية للمناطق المهمشة وإيجاد حلول جذرية لمشاكل الماء، التعليم، والصحة خارج نطاق بعض المشاريع التي يتم الحديث عنها في البرلمان.
إذا كانت الحكومة تلتزم بتوجيهات ملكية لتحقيق “مغرب جديد”، فهل يعني ذلك تغييرات حقيقية على مستوى العدالة المجالية؟
ختامًا: هل هناك أمل في التغيير؟
كما تبين، هناك مفارقة واضحة في الخطاب الحكومي الذي يتمحور حول التوجيهات الملكية، بينما يظل الكثير من المواطنين يعانون من مشاكل أساسية في حياتهم اليومية.
من خلال هذا التحليل الصحفي، من الضروري أن نسأل: هل يمكن إعادة النظر في السياسات الحالية لتشمل آليات فعالة للرقابة والمساءلة؟ وهل يمكن تحقيق تغيير حقيقي يستفيد منه جميع المواطنين بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو الاجتماعي؟
إن هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات ملموسة، وهو ما يفرض على الحكومة، البرلمان، وكل المعنيين أن يتحملوا مسؤولياتهم بشكل أكثر شفافية وفعالية.