هل يشكل النموذج المغربي نموذجًا فعليًا للتعايش بين الأديان أم مجرد شعار؟

0
42

في أمسية السبت 16 ديسمبر 2024، اجتمع مسلمون ومسيحيون ويهود في قلب الدار البيضاء، تحديدًا في كنيسة أنفا، للاحتفال بمناسبة “كعكة الأخوة” (Bûche de la Fraternité). الحدث، الذي نظمته جمعية “مغاربة بصيغة الجمع”، بدا للوهلة الأولى بمثابة احتفاء بالعلاقات الطيبة بين الديانات، ولكنه في الواقع يطرح تساؤلات عدة حول مدى قوة نموذج المغرب في تعزيز التسامح والتعايش المشترك.

هل تقتصر المشاركة على الطقوس الرمزية؟

في إطار هذا اللقاء، كان الحضور مزيجًا من المسؤولين المغاربة والدبلوماسيين الأجانب، مثل عامل عمالة مقاطعات الدار البيضاء-أنفا، عزيز دادس، والقنصل العام الأمريكي في الدار البيضاء، ماريسا سكوت-توريس، إلى جانب ممثلين عن كنيسة نوتردام دي لورد وجمعيات تعنى بقيم السلام. وقد تمحورت الكلمات التي ألقيت حول التأكيد على قوة النموذج المغربي المستند إلى رؤية الملك محمد السادس. في كلمة له، قال دادس: “النموذج المغربي يقوم على مبادئ قوية للتعايش، ويستمد قوته من رؤية أمير المؤمنين”.

لكن يبقى السؤال: هل هذا النموذج المغربي يُترجم إلى واقع ملموس على الأرض أم أنه مجرد خطاب دبلوماسي يستعرض التعايش بين الأديان كقيمة مثالية؟ هل يمكن فعلاً مقارنة الواقع الاجتماعي في المغرب بما يُعرض في مثل هذه الفعاليات الرمزية؟

السلام… هل هو فعلاً جزء من الحياة اليومية؟

أثناء المناسبة، أكدت القنصل الأمريكي أن “التناغم بين المسلمين واليهود والمسيحيين في المغرب في ازدهار مستمر”، مشيرة إلى أن “التعايش في المغرب يمثل بارقة أمل في عالم مليء بالصراعات”. هذا التصريح يثير عدة أسئلة حول طبيعة هذا التناغم. في الوقت الذي يتنقل فيه السياح ويتجمعون في هذه الفعاليات المبهجة، هل يواجه المواطنون المغاربة من أتباع الأديان المختلفة تحديات حقيقية في التعايش على مستوى الأحياء والمدن؟ هل يتم تسهيل هذا التعايش على الصعيد القانوني والاجتماعي في كل المجالات؟

قيم السلام والتعايش: ماذا عن التحديات العملية؟

غوادالوبي خوسيفينا زونيغا أوروزكو من بيت الراهبات الفرنسيسكانيات في أنفا، وصفت الحدث بأنه “فرصة للاحتفال بعيد الميلاد مع أشخاص من ديانات مختلفة في جو من الأخوة”.




إلا أن ما لا يُذكر هو التحديات الحقيقية التي تواجه مختلف المجتمعات الدينية في المغرب.

هل هناك جهود حقيقية لدعمهم في مسعاهم لبناء حياة مشتركة؟ أم أن هناك معوقات قد تؤثر في هذه الصورة المثالية للتعايش؟ هل تُترجم هذه القيم في الحياة اليومية أو تبقى مجرد شعارات تُرفع في المناسبات؟

ما هو الدور الحقيقي لهذه المبادرات؟

أحمد غيات، رئيس جمعية “مغاربة بصيغة الجمع”، أشار إلى أن هذه الفعالية تمثل “واحة حقيقية للسلام” في عالم يعاني من الكراهية والحروب. لكن السؤال الأهم يظل: هل تكفي مثل هذه المبادرات لإحداث تأثير حقيقي في المجتمع؟ هل يمكن أن تؤدي مثل هذه الفعاليات إلى التغيير الفعلي في المجتمعات المحلية، أم أن مجرد الاحتفاء بهذه اللحظات الرمزية لا يكفي لضمان استمرار التعايش السلمي بين الأديان؟

خلاصة: تعايش أم تحدٍ مستمر؟

رغم أن هذه الاحتفالية قد تبدو نموذجًا إيجابيًا للتعايش بين الأديان، إلا أن الواقع يعكس تحديات أعمق قد لا تظهر في المناسبات الاحتفالية. يبقى التعايش المشترك في المغرب مسألة تتطلب جهدًا مستمرًا على المستويات الاجتماعية والسياسية والدينية، ولا ينبغي أن يُنظر إليه كقيمة مستخلصة من المناسبات فقط، بل كعملية دائمة تتطلب العمل والتفاعل اليومي.