“عبد الهادي بلخياط: عندما يصبح الغناء الروحي طريقًا للسلام الداخلي – تعليق على مقال الصحفي كرم نعمة”

0
144

الحديث عن العودة إلى إنشاد “المنفرجة” والاستماع إلى عبد الهادي بلخياط لا يتعلق فقط بالاحتفاء بمغنٍ يتقن فنون الغناء المغربي الأصيل، بل هو تجسيد لرحلة موسيقية وروحية متميزة تتجاوز الحدود التقليدية لفن الغناء. عبد الهادي بلخياط، الذي يقترب من عامه التسعين، هو أكثر من مجرد مغنٍ؛ هو فنان موسيقي شامل، استطاع أن يجمع بين الطرب الأصيل والغناء الروحي بأسلوب فريد، ليُصبح بذلك أحد أعمدة الفن المغربي الذي ترك بصمة عميقة في الذاكرة الجماعية.

الغناء الروحي الذي قدّمه بلخياط لا يقتصر على النغمة والتقنية الموسيقية، بل هو حالة من الاتصال الداخلي، حيث يتجسد في كل كلمة، في كل لحن، وفي كل مقام شعور عميق يعبر عن رحلة الإنسان مع ذاته ومع معاني الحياة الكبرى. ليس الأمر مجرد استعراض موسيقي، بل هو عملية من التأملات الروحية التي تمنح المستمعين الفرصة للتواصل مع أنفسهم ومع العالم من حولهم بطرق مختلفة.

عبد الهادي بلخياط، من خلال غنائه، يجعلنا نتلمس لحظات الصفاء الداخلي والتفكر في المعنى الأعمق لكل تجربة إنسانية.

مع اقتراب عبد الهادي بلخياط من عامه التسعين، تصبح رسالته الموسيقية أكثر وضوحًا وتأثيرًا. لم يعد الغناء مجرد وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل أصبح أداة للارتقاء بالروح والتأمل في أبعاد الحياة الوجودية. وفي هذا السياق، يمكننا أن نفهم كيف أن العزلة التي يختارها بلخياط عن العالم هي مساحة لاستكشاف الذات بعمق أكبر، حيث يتأمل في معاني الحياة والموت، وفي التناقضات الإنسانية، ليُقدّم لنا من خلال صوته تجربة غنائية تلامس القلب والعقل.

بلخياط، في أعماله الفنية، لا يغني فقط كلمات أو ألحانًا، بل يعبر عن حالة من الوعي الروحي والوجودي. وهذه العزلة التي يختارها هي بمثابة لحظة تواصل مع اللامرئي، مع الطمأنينة الداخلية التي تمنحه القدرة على اكتشاف أبعاد جديدة للموسيقى والفن.

في هذا الإطار، لا تقتصر موسيقاه على نقل مشاعر فردية، بل هي دعوة للجميع للغوص في أعماق أنفسهم، للبحث عن السلام الداخلي والنقاء الروحي.

وبالحديث عن “المنفرجة”، نجد أن هذه الأغنية تعتبر من بين الألحان التي ارتبطت بذاكرة الأجيال المغربية والعربية على مر السنين.




فقد نجح بلخياط، من خلال هذه الأغنية، في تجسيد لحظة من الارتقاء الروحي والجمالي، تجعل المستمع يعيش حالة من التأمل والصفاء الداخلي. ولعل سر جاذبية “المنفرجة” يكمن في قدرتها على الجمع بين التقاليد الموسيقية المغربية وبين الغناء الروحي الذي يُشبع الروح ويلامس مشاعر العزلة والتأمل.




في النهاية، عبد الهادي بلخياط لم يكن مجرد مغنٍ، بل كان “شاهدًا” على تاريخ الموسيقى المغربية، وعلى التحولات التي مرّ بها الفن في المغرب والعالم العربي. وأغنياته، مثل “المنفرجة”، هي بمثابة وثائق موسيقية تحكي عن رحلة روحية وإنسانية عميقة، تجعلنا نعيد التفكير في مفهوم الفن والغناء في عصرنا هذا.

فبلخياط لا يقدّم فقط عرضًا موسيقيًا، بل يُقدّم لنا درسًا في الحياة، في الصبر، في التأمل، وفي كيف يمكن للفن أن يكون طريقًا للسلام الداخلي والارتقاء الروحي.