“ميموزا: شهادة صلاح الوديع بين أوجاع الماضي وآمال المصالحة”

0
118

في عمق الذاكرة المغربية: شهادة شخصية أم رسالة جماعية؟

في كتابه “ميموزا: سيرة ناجٍ من القرن العشرين”، يقدّم صلاح الوديع رحلة مفعمة بالمشاعر تتقاطع فيها مسيرته الشخصية مع تاريخ المغرب السياسي والاجتماعي. عبر ما يقارب 600 صفحة، يعيد الشاعر والمعتقل السياسي السابق نسج خيوط ذاكرة جماعية غنية بالأحداث والآلام، مع تساؤلات عميقة حول القمع، الحرية، والعدالة الانتقالية. فهل يمكن لهذا العمل أن يشكّل دعوة للمصالحة الوطنية الشاملة؟

“الكتابة ضد النسيان”: توثيق فردي أم مسؤولية وطنية؟

يصرّ صلاح الوديع في مقدمة مذكراته على أن الكتابة فعل مقاومة للنسيان، مشددًا على أهمية سرد الحياة، بكل ما تحمله من معجزات وآلام. يقول:

“أكتب لأن الحياة ذاتها – بما هي حياة – معجزة تستحق أن تروى. أكتب ضد النسيان.”

لكن، هل يمكن أن تتحوّل هذه المذكرات إلى مرجع للأجيال القادمة لفهم “سنوات الرصاص” بعمق أكبر؟ أم أنها ستبقى مجرد شهادة فردية قد تُقرأ كجزء من ذاكرة النخب فقط؟

“العهد السري”: الأسرة كمصدر للمقاومة والتماسك

يستعرض الكتاب دور الأسرة في تعزيز الصمود رغم القمع الذي فرقها جغرافيًا، لكنه لم ينل من تماسكها. يستشهد الوديع برسائل والدته إلى والده السجين، حيث تقول:

“ما أشبه الحب بالنور الإلهي الذي يضيء ظلمات الدنيا.”

هل يمكن لهذا التماسك العائلي أن يكون نموذجًا لمواجهة القمع في زمننا الحالي؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يعيد بناء روابط مشابهة في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية السريعة؟

التسامح مع الماضي: خيار فردي أم ضرورة جماعية؟

في لحظة إنسانية مثيرة، يسرد الوديع لقاءه بشاب، والده كان رمزًا للقمع الذي عانت منه عائلته. يقول:

“هذا الشباب لم يقدم على جريمة. وهو ليس مسؤولًا عن أفعال أبيه.”

هذه اللحظة تفتح باب التساؤل: كيف يمكن للمجتمع المغربي أن يوازن بين حفظ ذاكرته الجماعية وبين بناء مستقبل قائم على التسامح؟ وهل التسامح خيار واقعي في ظل الإرث الثقيل لبعض الانتهاكات؟

“تازمامارت” و”جزيرة كوري”: ذاكرة الألم العابر للحدود

ينتقل الكتاب إلى محطات تمثّل آلامًا إنسانية تمتد عبر الجغرافيا والتاريخ، من تازمامارت في المغرب إلى جزيرة العبيد في السنغال. هذه الشهادات تُظهر كيف تتقاطع المعاناة البشرية عبر الزمن والمكان، مما يدعو إلى تساؤل أعمق: كيف يمكن لكتابة التاريخ أن تفي بحق الضحايا وتجنب السقوط في فخ التبسيط أو التحيز؟

هيئة الإنصاف والمصالحة: هل كانت كافية؟

يُشيد الكتاب بدور هيئة الإنصاف والمصالحة في معالجة جراح الماضي، لكنه يلمح إلى أن الطريق ما زال طويلًا نحو تحقيق عدالة شاملة. هنا يظهر تساؤل مشروع: هل العدالة الانتقالية في المغرب كانت خطوة شجاعة وكافية؟ أم أنها مجرد بداية تحتاج إلى استكمال في ظل تحديات سياسية واجتماعية جديدة؟

وصية للأجيال القادمة: كيف نمنع تكرار “التوحش”؟

في ختام المذكرات، يترك صلاح الوديع رسالة بليغة:

“لا تكرار للتوحش.”

لكن، كيف يمكن لهذه الوصية أن تتحول إلى رؤية عملية للمستقبل؟ هل يمكن ترجمتها إلى سياسات تعليمية وثقافية تستهدف تعزيز قيم التسامح والمصالحة في الأجيال القادمة؟

“ميموزا”: بين التوثيق والتحفيز على الحوار

ليس “ميموزا” مجرد كتاب عن حياة فرد، بل هو شهادة حية تعكس تقاطع التجربة الشخصية مع ذاكرة وطنية غنية بالتحديات. يدعو الكتاب، بأسئلته المفتوحة وصدقه العاطفي، إلى حوار وطني حول العدالة والذاكرة والمصالحة.

فهل يمكن لهذا العمل أن يصبح منارة للمغرب وهو يسعى لتجاوز أوجاع الماضي؟