الرياضة المغربية: إنجازات عالمية وإشكالات محلية—إلى أين يتجه المستقبل؟

0
102

لطالما كانت الرياضة المغربية مصدر فخر واعتزاز، حيث قدمت أبطالًا عالميين في مختلف الألعاب، من ألعاب القوى إلى الفنون القتالية ورياضات الفريق. غير أن هذا الزخم الرياضي يقابله واقع تنظيمي وإداري يثير العديد من الأسئلة حول استمرارية النجاحات وتطوير البنية التحتية والاستثمار في المواهب الشابة. فهل تسير الرياضة المغربية على الطريق الصحيح نحو الاحترافية والاستدامة؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها؟

أبطال مغاربة في الساحة الدولية: تألق رغم العقبات

شهدت الرياضة المغربية تألقًا ملفتًا في العقد الأخير، حيث رفع أبطال مغاربة راية البلاد عاليًا في منافسات عالمية كبرى. في رياضات الفنون القتالية، استطاع طارق خبابز التتويج بلقب “غلوري”، وهو إنجاز غير مسبوق، إلى جانب تألق مصطفى الخصم وغيرهم في الكيك بوكسينغ. أما في ألعاب القوى، فلا تزال إنجازات العدائين المغاربة تحقق حضورًا لافتًا، وإن كان بوتيرة أقل مما عهدناه في حقبة سعيد عويطة وهشام الكروج.




لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تحقق هذه الإنجازات بفضل جهود فردية أم نتيجة لسياسات رياضية فعالة؟

الإدارة الرياضية: أزمة هيكلة أم غياب استراتيجية؟

من أبرز التحديات التي تعاني منها الرياضة المغربية هو غياب رؤية استراتيجية موحدة للنهوض بها. العديد من الأبطال المغاربة يشكون من قلة الدعم الرسمي، ما يدفعهم في بعض الأحيان للبحث عن فرص خارج البلاد. ورغم وجود الجامعات الرياضية والإدارات المختصة، إلا أن غياب التنسيق الفعلي بينها يثير التساؤلات حول مدى فعاليتها.

  • لماذا لا توجد برامج واضحة لاستقطاب المواهب الشابة من الأحياء الشعبية؟

  • هل تستثمر الجامعات الرياضية في تطوير الكفاءات المحلية بنفس القدر الذي تستثمر فيه في تظاهرات كبرى؟

نموذج حي على ما نحن فيه: قضية جمال السوسي

لعل أفضل مثال على الإشكالات التي تعيشها الرياضة المغربية هو ما حدث مع جمال السوسي، الكاتب والصحفي والرياضي، الذي دفع ثمن محاولته إرساء أسس رياضية جديدة في المملكة. أسس السوسي الجامعة الملكية المغربية للجيوجيتسو البرازيلي وفنون القتال المختلطة، وهي رياضات تشهد إقبالًا هائلًا من الشباب، بل وتكاد تنافس كرة القدم من حيث الشعبية. إلا أن الغيرة والحسد، إضافة إلى المصالح الشخصية لبعض المدراء والمسيرين، وقفت عائقًا أمام هذا المشروع الطموح، ما أدى إلى تراجعه رغم الإمكانيات الكبيرة التي كان يمكن أن يوفرها لتطوير المواهب المغربية في هذه الرياضات القتالية. فكيف يمكننا أن ننهض بالرياضة إذا كانت العرقلة تأتي من الداخل؟

البنية التحتية: تطور بطيء أمام الحاجة المتزايدة

تحسنت البنية التحتية الرياضية في المغرب خلال السنوات الأخيرة، مع بناء ملاعب حديثة مثل ملعب طنجة الكبير وملعب أكادير، لكن في المقابل لا تزال العديد من المناطق تفتقر إلى مراكز تدريب متخصصة ومرافق متاحة للجميع. كما أن ضعف الصيانة وإهمال التجهيزات يؤثر على استفادة الرياضيين بشكل مستدام.

التمويل والاستثمار الرياضي: أين الخلل؟

رغم تخصيص ميزانيات ضخمة لدعم الرياضة، إلا أن توزيعها يطرح تساؤلات كبيرة. فبينما تحظى كرة القدم بحصة الأسد، تعاني رياضات أخرى مثل ألعاب القوى والرياضات القتالية من ضعف التمويل، ما يجعل بعض الرياضيين يعتمدون على مواردهم الشخصية أو يبحثون عن دعم خارجي.

  • هل آن الأوان لإعادة هيكلة التمويل الرياضي لضمان توزيع أكثر عدالة؟

  • كيف يمكن تحفيز الشركات الخاصة على الاستثمار في المواهب الرياضية المغربية؟

الرياضة النسوية: حضور متزايد ولكن…

شهدت الرياضة النسوية في المغرب قفزة نوعية، خاصة مع الإنجازات الأخيرة للمنتخب النسوي لكرة القدم في كأس العالم، لكن التحديات لا تزال قائمة، من ضعف الموارد إلى قلة البطولات المحلية، مما يؤثر على تطور اللاعبات.

خاتمة: أي مستقبل للرياضة المغربية؟

رغم الإنجازات الفردية التي تحققها الرياضة المغربية، إلا أن البنية التحتية والهيكلة الإدارية لا تزال تعاني من العديد من المشاكل، وهو ما يجعل الاستمرارية والاحترافية تحديًا كبيرًا. إذا لم يتم تبني سياسات أكثر شفافية وعدالة، وتوفير بيئة حاضنة للمواهب بعيدًا عن المصالح الشخصية والبيروقراطية، فقد نجد أنفسنا نخسر العديد من الأبطال المستقبليين لصالح دول أخرى أكثر احترافية في إدارة المجال الرياضي. فهل ستدرك الجهات المعنية الحاجة إلى تغيير جذري في طريقة تسيير الرياضة الوطنية قبل فوات الأوان؟