تهميش مغاربة العالم: بين الخوف من الكفاءات وغياب الإرادة السياسية… مجلس الجالية مجمّد والمؤسسات غائبة، فمن يحمي حقوق المهاجرين؟

0
52

تحقيق في أعطاب السياسات العمومية تجاه الجالية المغربية بالخارج، ونداء من أجل العدالة التمثيلية وتفعيل الدستور

في الوقت الذي يواصل فيه الخطاب الرسمي المغربي التأكيد على أهمية مغاربة المهجر كـ”رأسمال بشري واستراتيجي”، تتعمق الهوة بينهم وبين الوطن الأم، ليس فقط على المستوى الرمزي، بل في بنية السياسات العمومية ذاتها. تصريح النائبة البرلمانية عائشة الكرجي، خلال مشاركتها في ندوة تفاعلية بالمعرض الدولي للكتاب والنشر، كشف بوضوح عمق هذا التهميش، وفتح باب التساؤل: لماذا لا تزال الدولة تتعامل مع ستة ملايين مغربي في الخارج كملف جانبي، وليس كمكون وطني جوهري؟

الدستور موجود… لكن من يفعّله؟

تؤكد الكرجي أن دستور 2011 أحدث تحولاً حقيقياً في النظرة إلى مغاربة العالم، بعد أن خرجوا من تصنيفهم القديم كـ”جالية”، وأصبحوا “مكوناً أساسياً” في النسق الوطني. لكن هذا التحول – بحسب تعبيرها – ظل حبراً على ورق.

فما الجدوى من النصوص الدستورية إن لم تجد طريقها إلى الواقع؟ ومن يتحمل مسؤولية تحويل تلك المبادئ إلى سياسات ملموسة؟

ثلاثة نواب فقط… من أصل ستة ملايين!

من أبرز مظاهر التهميش التي وصفتها الكرجي بـ”الاختلال الصارخ في ميزان المواطنة”، أن الجالية المغربية بالخارج ممثلة بثلاث برلمانيات فقط، في حين يتجاوز عدد أفرادها الستة ملايين.
أليست هذه المفارقة دليلاً على خلل جوهري في هندسة التمثيلية السياسية؟ وهل يمكن لمثل هذا العدد الهزيل من النواب أن ينقل هموم وتطلعات جالية ممتدة على خمس قارات؟

الكرجي دعت بوضوح إلى تخصيص “كوطا” لا تقل عن 31 نائباً ونائبة، مؤكدة أن هذا الرقم ضروري لضمان الحضور الفعلي للجالية في التشريع والرقابة.
لكن، هل تمتلك الدولة فعلياً الإرادة لتوسيع هذا التمثيل؟ أم أن هناك خشية ما من ولوج كفاءات الخارج إلى مراكز القرار؟

غياب المؤسسات والإرادة… أم خوف من النخبة القادمة من الخارج؟

في خضم مداخلتها، سلطت النائبة الضوء على “تأخر غير مبرر” في إخراج الإطار القانوني الجديد لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إضافة إلى “الجمود المؤسسي” الذي يطال المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج.

هل هذا التأخير مجرد بيروقراطية؟ أم أن هناك توجساً سياسياً من مؤسسات مستقلة وقوية قد تعيد تشكيل علاقة الجالية بالدولة خارج أطر الولاء التقليدية؟

أسئلة بلا أجوبة… وردود حكومية باردة

167 سؤالاً برلمانياً، من بينها أكثر من خمسين سؤالاً متعلّقاً بالجالية… هكذا لخّصت الكرجي نشاطها البرلماني في هذا الملف. لكنها لم تتلقَّ – كما صرّحت – “إجابات حقيقية” من الحكومة.

فهل تتعامل الدولة مع قضايا الجالية بمنطق العلاقات العامة فقط؟ أم أن هناك أزمة ثقة عميقة تعيق التواصل بين مغاربة العالم والمؤسسات الرسمية؟

الرقمنة كأمل… لكن من يبرمجها؟

اقترحت الكرجي توظيف الرقمنة والمنصات الذكية كوسيلة فعالة للتفاعل مع الجالية، وهو اقتراح يبدو عصرياً ومنسجماً مع روح العصر.

لكن إذا كانت الدولة لم توفر حتى اليوم قاعدة بيانات دقيقة عن الجالية وتوزيعها، فكيف يمكن بناء منصات حقيقية تتجاوب مع تطلعاتها؟ ومن يملك الإرادة السياسية لفتح هذه القناة الرقمية بصدق وشفافية؟

الخلاصة: إشراك الجالية… ليس ترفاً سياسياً بل مسألة بقاء

“لا مستقبل لوطن دون إشراك كل مكوناته، ومغاربة العالم ليسوا خارج الدائرة بل في قلب المشروع الوطني”… بهذه العبارة اختتمت الكرجي مداخلتها، لترسم ملامح إشكالية سياسية ومجتمعية عميقة.

هل الدولة مستعدة لإعادة النظر في علاقتها بالجالية؟ وهل نخاف فعلاً من كفاءات الخارج؟ أم أن هناك من يرى في مغاربة العالم صوتاً مزعجاً قد يغيّر موازين التمثيلية والقرار؟