في زمن يُفترض فيه أن تكون الجامعة فضاءً للحرية والتعدد والكرامة المهنية، تعود قضية مقلقة لتثير أسئلة صادمة حول مدى التزام بعض المؤسسات الجامعية باحترام الحقوق الأساسية للعاملين بها، وخصوصًا النساء المناضلات داخل الإطارات النقابية.
فعشية فاتح ماي، حيث تَعلو الشعارات وتُرفع المطالب العمالية في كل مكان، نجد أنفسنا أمام مشهدٍ يثير الغضب والاستفهام: موظفة بقطاع التعليم العالي، مناضلة ضمن النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية، تتعرض لسلسلة من المضايقات والاستفزازات الممنهجة من طرف عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات، وكاتبه العام، في صورة تعكس ـ حسب بيان النقابة ـ عداءً سافرًا للحق النقابي وتجاوزًا صارخًا في تدبير الموارد البشرية.
من يقف وراء تأجيج التوتر داخل مؤسسة جامعية يفترض أن تكون نموذجًا للحكامة؟
حسب البيان النقابي، فالأمر لا يتعلق بحادثة عرضية أو سوء فهم إداري، بل بسلوك ممنهج ابتدأ بافتعال مشاكل واهية ضد الموظفة، وبلغ حد إصدار إنذار تعسفي على خلفية مشاركتها في نشاط نقابي نسائي معلن، كان من المفروض أن يُشجع من قبل إدارة تُحسب على قطاع التعليم العالي.
فكيف يُفسَّر هذا التصعيد الإداري غير المبرر؟ ولماذا تُستهدف موظفة فقط لأنها شاركت في لقاء تنظيمي جهوي خاص بالمرأة العاملة؟
الأدهى، وفق البيان، هو الاعتداء اللفظي الصريح الذي طال الموظفة من طرف الكاتب العام للكلية، في شكل سب وقذف علني، مما يطرح سؤالًا خطيرًا: هل أصبحت الجامعة مجالاً مباحًا للعنف اللفظي ضد النساء؟ وأين هي آليات محاربة العنف المبني على النوع التي تتغنى بها السياسات العمومية؟
الجامعة التي تكرّس اللامساواة: عشوائية في التسيير أم سياسة ممنهجة لتفكيك العمل النقابي؟
الوضع داخل كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، حسب البيان، لا يقتصر على هذه الحادثة الفردية، بل يكشف عن خلل بنيوي في التسيير الإداري، وتراكمات من سوء التدبير وغياب الشفافية والمساواة.
فهل نحن أمام فشل إداري لا يراعي أبسط مبادئ الحكامة الجيدة التي تنادي بها وزارة التعليم العالي؟
أم أن هناك نزعة سلطوية واضحة تهدف إلى تكميم الأفواه وتصفية الأصوات المنتقدة تحت غطاء الإدارة؟
ولعل السؤال الأكبر: أين هي رئاسة الجامعة من كل هذا؟ وأين هي الوزارة الوصية حين تتحول مؤسساتها إلى مراكز ضغط نفسي وتوتر دائم، بدل أن تكون فضاءات علمية وإنسانية؟
تحرّك نقابي في أفق التصعيد: هل سيكون هذا الملف محطة مفصلية في إعادة الاعتبار للنضال داخل الجامعات؟
المكتب الجهوي للنقابة لم يكتف بإصدار بيان شجب، بل دعا إلى وقفة احتجاجية تصعيدية يوم الثلاثاء 13 ماي أمام الكلية، داعيًا كل المكاتب النقابية التابعة للجامعة والقوى الحقوقية إلى المشاركة، ما يؤشر على تحول هذا الملف إلى معركة نضالية أوسع دفاعًا عن الكرامة والحرية النقابية داخل الجامعة.
وفي خضم هذا التصعيد، يُطرح سؤال محوري: هل ستتجاوب رئاسة الجامعة والوزارة الوصية مع مطالب النقابة في حماية الموظفة وإنصافها؟ أم ستُترك الساحة لهيمنة السلطة الإدارية المنفلتة؟
خلاصة:
ما يحدث داخل كلية اللغات بسطات لا يجب أن يُفهم على أنه حادث معزول. إنه جرس إنذار يفضح هشاشة واقع الحريات النقابية والكرامة المهنية داخل المؤسسات الجامعية. فحين تُستهدف مناضلة فقط لأنها تمارس حقها في الانتماء النقابي، فإننا أمام تحول خطير يهدد ما تبقى من المكتسبات الديمقراطية داخل الإدارة العمومية.
لذا، فالقضية اليوم لم تعد قضية موظفة فقط، بل قضية رأي عام نقابي، ونسائي، وأكاديمي في آن.
ويبقى السؤال مفتوحًا إلى أن يأتي الجواب من الجهات المعنية: من يحمي مناضلات التعليم العالي من عنف السلطة الإدارية؟