اللغة بين قدسية الهوية ومخاطر الاستقطاب: هل تُختزل الوطنية في صراع أبجديات؟

0
82

في وقت تتصاعد فيه النبرات المتشنجة داخل النقاش اللغوي بالمغرب، يطل الدكتور عبد النبي عيدودي، البرلماني والفاعل السياسي، بمداخلة توجيهية لا تخلو من رسائل مشفرة، تحمل عنوانًا صريحًا في مدلوله:

“اللغة هوية وطن… لا ساحة صراع”

لكن، هل يكفي التذكير بهذه البديهيات في سياق مشحون يتداخل فيه ما هو هوياتي بما هو انتخابي، وما هو ثقافي بما هو إيديولوجي؟

وهل ما نشهده اليوم تعبير صحي عن التنوع اللغوي المغربي، أم تفخيخ مقصود لورقة التعدد لصالح أجندات أكبر من رقعة النقاش المحلي؟

العربية والأمازيغية: تكامل أم صراع مفتعل؟

يبدأ الدكتور عيدودي مقاله من مرجعية جامعة: اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ليست غازية ولا استعمارية، بل لغة تعايش معها الفرس والترك والأندلسيون دون أن يتنازلوا عن لغاتهم الأصلية.

ثم ينتقل بسلاسة إلى الحديث عن الأمازيغية باعتبارها مكونًا أصيلاً من مكونات الهوية المغربية، محذرًا من الوقوع في فخ المقابلة الثنائية القاتلة بين “اللغة الجامعة” و”اللغة المكون”.

هنا يطرح السؤال المركزي:
لماذا يتم افتعال تقابل لغوي في مجتمع اعترف دستوره بشكل واضح برسمية اللغتين؟ ومن المستفيد من تحوير النقاش من التكامل إلى الاصطفاف؟

حين تتحول اللغة إلى “قميص انتخابي”

في ثاني فقرات المقال، يدافع عيدودي بحزم عن حزب الحركة الشعبية، ضد ما وصفه بـ”المغالطة الفاضحة” التي تتهم الحزب بـ”استغلال الأمازيغية كخزان انتخابي”.

الأرقام، حسبه، تكشف العكس:

  • الناطقون بالأمازيغية لا يصوتون جميعهم للحركة الشعبية.

  • عدد نواب الحزب من مناطق غير أمازيغية يفوق نظراءهم من المناطق المصنفة “جبلية”.

لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه:

هل نعيش اليوم أزمة ثقة في الخطاب السياسي، لدرجة أن كل تعبير هوياتي يُتهم تلقائيًا بالتوظيف السياسي؟
وهل يكفي نفي الاستغلال الانتخابي لتبرئة الطبقة السياسية من مسؤولية توتير هذا الملف كلما اقتربت الاستحقاقات؟

اللغة ليست قنبلة.. ما لم تُفخخ

في الجزء الختامي من مقاله، يوجه الدكتور عيدودي تحذيرًا صريحًا:

من يحاول استغلال الأمازيغية لأجندات خارجية معروفة بنواياها التفتيتية، فهو يهدد وحدة الشعب المغربي وتماسك العرش.

ويؤكد أن حزب الحركة الشعبية كان ولا يزال رافضًا لأي تطرف لغوي أو عرقي أو طائفي، واضعًا الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار.

لكن، رغم هذا الموقف، يظل السؤال معلقًا:

ما مدى استعداد الطبقة السياسية المغربية لمأسسة النقاش اللغوي بعيدًا عن التوظيف والصراعات الهوياتية؟
وهل تملك المؤسسات الأكاديمية والإعلامية والأحزاب السياسية القدرة على حماية هذا النقاش من التجييش، خصوصًا في ظل استغلال جهات خارجية لأي تصدع داخلي؟

خاتمة تحليليّة: الهوية المغربية كلٌّ لا يتجزأ

الرسالة التي يوجهها الدكتور عبد النبي عيدودي ليست فقط دفاعًا عن لغتين رسميتين، بل دفاع عن الهوية الجامعة في مواجهة محاولات التفكيك.

لكن الواقع يفرض على الجميع – نخبة ومجتمعًا – إعادة رسم حدود النقاش الهوياتي ضمن مشروع وطني عميق، يربط بين التنوع والتلاحم، ويُخرج اللغة من خانة الاصطفاف إلى مجال العدالة اللغوية والكرامة الثقافية.

فهل نحن مستعدون فعلاً لإدارة تنوعنا بإبداع وهدوء… أم أننا ما زلنا نصر على اللعب في حقول الألغام؟