أزمة المحروقات في المغرب: بين الأرباح الفاحشة وغياب الإرادة السياسية

0
71

المواطن المغربي بين مطرقة الأسعار وسندان اللامبالاة

في وقت يعاني فيه المواطن المغربي من ارتفاع صاروخي في أسعار المواد الأساسية، تطفو على السطح مرة أخرى قضية أسعار المحروقات، التي تشكل عصب الحياة اليومية للأسر والعاملين في قطاعات النقل والفلاحة والصناعة. فبينما تتقلب أسعار النفط الخام عالميًا، يظل المغرب رهينًا لسياسة تحرير الأسعار التي تم اعتمادها منذ 2016، مما فتح الباب أمام أرباح خيالية للوسطاء والمستوردين على حساب جيوب المغاربة.

هذا التقرير يستند في جوهره إلى المعطيات والتقديرات التي تضمنها البيان الأخير للحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، والذي وجهه إلى الرأي العام في أبريل 2025.

فما هي حقيقة هذه الأرباح؟ وهل يمكن للحكومة أن تتدخل لوقف هذا النزيف الذي يستنزف القدرة الشرائية؟ وما هي البدائل المطروحة لإنقاذ المصفاة الوحيدة في المغرب “سامير” وإعادة التوازن لسوق الطاقة؟

الواقع المرير: المغرب يستورد المحروقات بأثمان زهيدة ويبيعها بأسعار خيالية

1. الفجوة بين السعر الدولي وسعر البيع: أين تذهب الأرباح؟

وفقًا لتحليل الحسين اليماني، فإن الأسعار الحالية للمحروقات في المغرب لا تعكس التكلفة الحقيقية للاستيراد، بل تشكل “أرباحًا فاحشة” للمتحكمين في السوق.

  • المازوط: وفقًا للبيان، فإن السعر الدولي خلال النصف الثاني من أبريل 2025 بلغ حوالي 4.87 دراهم للتر، ومع تطبيق المعادلة السابقة لتحرير الأسعار (السعر الدولي + المصاريف + الضرائب + هامش ربح معقول)، فإن السعر العادل للمستهلك لا يجب أن يتجاوز 9.09 دراهم، بينما الواقع يفوق هذا السعر.

  • البنزين (ليصانص): بلغ سعره الدولي حوالي 4.63 دراهم، وكان يفترض ألا يتجاوز 10.59 دراهم، لكنه يسوق بأكثر من ذلك.

السؤال المُلح: من يستفيد من هذه الفوارق؟ ولماذا لا تخضع هذه الأرباح لرقابة صارمة؟

2. هامش الأرباح في المغرب vs. العالم: لماذا الفارق الكبير؟

يُبرز اليماني أن هامش ربح الفاعلين في المغرب يتجاوز 20٪ من السعر النهائي، مقابل 5٪ فقط في الدول التي تعرف تنافسًا حقيقيًا في قطاع المحروقات.

التساؤل: هل يعقل أن يظل المغرب استثناءً في سياسة تحرير الأسعار دون آليات رقابية تحمي المستهلك؟

سياسة الطاقة في المغرب: إدارة الأزمة أم تعميقها؟

1. إغلاق “سامير”: قرار كارثي أم مؤامرة مبيتة؟

يعتبر الحسين اليماني أن إغلاق مصفاة سامير لم يكن خيارًا اقتصاديًا بريئًا، بل أحد الأسباب الجوهرية لتضخم الأسعار وفقدان السيادة الطاقية. فالمصفاة كانت تؤمن جزءًا مهمًا من الاحتياجات المحلية.

السؤال المطروح: لماذا لم تُستأنف عمليات التكرير؟ ومن المستفيد من إبقاء المغرب سوقًا تابعًا لمنتجات مكررة من الخارج؟

2. تحرير الأسعار: حرية السوق أم حرية الاستغلال؟

منذ 2016، حررت الحكومة أسعار المحروقات بالكامل، وفقًا لما يؤكده اليماني، ما جعل الدولة تفقد أدوات التوازن والتدخل. بينما دول مثل فرنسا وإسبانيا ما تزال تحمي المواطن في الأزمات.

هل يمكن تبرير استمرار هذا النموذج رغم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية؟

3. النفط الروسي: فرصة ضائعة

يرى اليماني أن المغرب لم يستغل الفرص التي وفرتها الأزمة الأوكرانية للاستفادة من أسعار النفط الروسي المخفضة، لأسباب قد تكون سياسية أو خضوعًا لضغوط خارجية.

هل يُعقل أن تغيب البراغماتية الاقتصادية عن القرار الطاقي في لحظة حرجة؟

الحلول المقترحة في البيان النقابي: بين الإصلاح الجذري والمسكنات المؤقتة

الحسين اليماني، من موقعه النقابي، يطرح جملة من المقترحات العملية:

  • إلغاء تحرير الأسعار والعودة إلى نظام مراقَب يُمَكّن الحكومة من التدخل لحماية القدرة الشرائية.

  • مراجعة الضرائب المرتفعة على المحروقات.

  • إعادة تشغيل مصفاة سامير لتقليص التبعية الخارجية.

  • إصلاح المنظومة القانونية المؤطرة للطاقة، وتنبيه الحكومة للتحديات الجيوسياسية في الضفة الشمالية، خصوصًا انقطاع الكهرباء الأخير بإسبانيا.

لكن السؤال المركزي يبقى: هل هناك إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ هذه التوصيات؟ أم أن لوبيات المحروقات أكبر من أي إصلاح؟

خاتمة: المواطن المغربي بين نار الأسعار وجمر الإهمال

في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة للطاقة، واستمرار تحرير الأسعار دون ضوابط، يبقى المواطن المغربي الحلقة الأضعف. التقرير الذي يستند إلى بيان الحسين اليماني ليس مجرد عرض تقني، بل ناقوس خطر يُقرع في وجه صمت الحكومة وتغوّل المتحكمين.

إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وهل من أفق لإصلاح يعيد التوازن والعدالة للسوق الطاقية في المغرب؟