في مشهد سياسي يكشف عمق الخلافات حول مفهوم الشفافية والمساءلة في المغرب، رفض وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وبشكل قاطع، أي تعديل على المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، وهي المادة المتعلقة بـ”التبليغ عن الفساد من طرف جمعيات المجتمع المدني”.
الرفض لم يكن مجرد موقف تقني، بل جاء مصحوبًا بقسم علني: “أقسم بالله ألا أقبل أي تعديل في المادة 3″، وهو ما اعتبره نائب حزب العدالة والتنمية عبد الله بووانو “تجاوزًا خطيرًا للمؤسسات” وخرقًا لروح النقاش التشريعي داخل البرلمان.
هل نحن أمام موقف سياسي متشدد يحصن نصاً قانونياً من أي نقاش؟ أم أمام إرادة سياسية تريد الحد من أدوار المجتمع المدني في فضح الفساد؟
المادة 3.. لماذا كل هذا الجدل؟
في صيغتها الحالية، تضع المادة 3 قيودًا مشددة على جمعيات مكافحة الفساد بخصوص التبليغ عن قضايا الفساد، حيث تشترط أن تكون الجمعية “معترفًا بها كمؤسسة ذات منفعة عامة” و”قد اشتغلت بشكل منتظم على ملفات الفساد”، وهو ما يعتبره العديد من النشطاء والحقوقيين تضييقًا على الفعل المدني وتفريغًا للمادة من جوهرها.
هنا يطرح السؤال نفسه:
لماذا يُخشى من فتح المجال أمام المجتمع المدني للإبلاغ عن الفساد؟
هل هناك خشية من تسرب معلومات قد تفضح قضايا “حساسة”؟ أم أن الدولة تحاول إعادة ضبط من يملك شرعية الكلام في ملف الفساد؟
انسحاب تكتيكي أم اصطفاف سياسي؟
مفارقة مثيرة تمثلت في أن فريقي الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، وهما من المعارضة، قاما بسحب تعديلاتهما رغم تشابهها مع ما اقترحه حزب العدالة والتنمية.
هل انسحب الحركيون والـPPS تحت ضغوط سياسية أو بتنسيق غير معلن مع الأغلبية؟
أم أن القرار نابع من إدراك استحالة تمرير التعديلات أمام تعنت الوزير والأغلبية؟
وهل تكشف هذه الواقعة عن حدود المعارضة “التقنية” في مواجهة السلطة التنفيذية حين يتعلق الأمر بملفات شائكة مثل الفساد؟
الدستور والواقع.. من يعلو على من؟
ما يثير الاستغراب هو أن الدستور المغربي ينص بوضوح على أدوار المجتمع المدني في تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، بل يشير في أكثر من فصل إلى آليات التبليغ والمساءلة. فهل المادة 3، بصيغتها الحالية، تتعارض مع هذا التوجه؟
هل نحن أمام تناقض بين الخطاب الدستوري والممارسة التشريعية؟
وهل يعيد البرلمان اليوم صياغة مفهوم “الديمقراطية التشاركية” ليكون مجرد عنوان بلا أدوات؟
حين تصبح “القناعة المطلقة” معيارًا للتشريع
تصريح الوزير وهبي بأنه “لديه قناعة مطلقة” بالمادة كما هي، يطرح إشكالية العلاقة بين القناعة الشخصية والوظيفة الدستورية.
هل يحق لوزير أن يُفرغ النقاش البرلماني من مضمونه بناءً على قناعته الفردية؟
وهل أصبح “الرفض العقائدي” وسيلة لإسكات مقترحات المعارضة مهما كانت منطقية أو دستورية؟