هل تعيد المجالس الإقليمية رسم ملامح التعاون الأورو-متوسطي؟

0
175

مشاركة مغربية لافتة في لجنة “التنمية الترابية المستدامة” تطرح أسئلة حول موقع السلطات المحلية في الدبلوماسية الجديدة للتنمية

في لحظة دقيقة من التحولات الجيوسياسية والإيكولوجية التي تعرفها منطقة البحر الأبيض المتوسط، شارك عبد العزيز الدرويش، رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم، في أشغال الاجتماع الحادي عشر للجنة التنمية الترابية المستدامة التابعة للجمعية الجهوية والإقليمية الأورو-متوسطية (ARLEM)، الذي انعقد في بروكسيل يومي 4 و5 يونيو 2025.

الرهانات تتجاوز التقارير: ما موقع المغرب في الخريطة الجديدة للتنمية الإقليمية؟

المشاركة المغربية في هذا المحفل لم تكن مجرد حضور رمزي أو إداري، بل حملت مؤشرات على طموح لبلورة دور فاعل في تشكيل السياسات الترابية المستدامة على المستوى المتوسطي. الجلسات الأربع التي ناقشت قضايا من قبيل “التحالف من أجل ارتفاع المحيطات وصمود الساحل” أو “دور السلطات المحلية في الحوار والمصالحة” تكشف عن أجندة تتجاوز المقاربات التنموية التقليدية، وتضع السلطات الجهوية والمحلية في قلب المعادلة الجيوبيئية والثقافية للمنطقة.

هل يعني ذلك أننا بصدد انتقال تدريجي نحو دبلوماسية ترابية جديدة؟ وهل تستطيع المجالس الإقليمية المغربية مواكبة هذا التحول بما يكفي من الأدوات والكفاءة والتموقع السياسي؟

في قلب الجلسة الأولى: المغرب يدعو لإعادة إدماج سوريا

في موقف لافت خلال الجلسة الأولى المخصصة للتوجهات الترابية ضمن الاستراتيجية الأورو-متوسطية، لم يكتف رئيس الجمعية المغربية باستعراض أهمية التعاون بين السلطات المحلية، بل دعا صراحة إلى إعادة إدماج ممثلي المجالس الترابية السورية في هيئات ARLEM، موجها تحية للسلطات السورية.

هذا التصريح يفتح الباب أمام نقاش حساس: هل كان هذا الموقف بتنسيق مع السياسة الخارجية الرسمية للمغرب؟ أم أنه يعكس هامش مبادرة جديد باتت تحوزه الجماعات الترابية ضمن الدبلوماسية اللامركزية؟ وما الرسائل الجيوسياسية التي تنطوي عليها دعوة من هذا القبيل في هذا التوقيت بالذات، لا سيما وسط انقسامات أوروبية بشأن الوضع السوري؟

منصة ARLEM: فضاء تقني أم أداة استراتيجية؟

منذ تأسيسها سنة 2010، تمثل الجمعية الجهوية والإقليمية الأورو-متوسطية (ARLEM) إحدى المنصات القليلة التي تمنح السلطات المحلية صوتاً في قضايا استراتيجية مثل الأمن البيئي والتماسك المجتمعي والتعاون الثقافي.

لكن السؤال يظل مطروحاً: هل تمتلك السلطات المحلية في دول الجنوب، ومنها المغرب، القدرة على التحول من شركاء منفذين إلى شركاء مؤثرين في وضع السياسات؟ وما الذي ينقص الفاعلين المحليين والإقليميين المغاربة حتى يتحولوا إلى محاورين على قدم المساواة ضمن هذه المنصات المتعددة الأطراف؟

الدرويش وبوهدود: حضور مغربي مزدوج، فهل من أثر ملموس؟

يشغل عبد العزيز الدرويش موقع مقرر لجنة التنمية الترابية المستدامة، إلى جانب السيدة أمينة بوهدود، رئيسة جماعة الكفيفات، التي تشغل عضوية مكتب الجمعية، فضلاً عن رئاستها المشتركة للجنة نفسها. هذا التموقع المزدوج يعكس حضوراً مغربياً وازناً من حيث الشكل، لكن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذا الحضور إلى تأثير على القرارات والمشاريع، خاصة في ما يتعلق بتمويل المبادرات البيئية والحضرية في الأقاليم المغربية.

لقاءات ثنائية واستكشاف الشراكات: مجرد مجاملات دبلوماسية؟

على هامش اللقاء، أجرى رئيس الجمعية لقاءات ثنائية مع ممثلي عدد من الوفود لاستكشاف سبل التعاون، دون الإفصاح عن طبيعة هذه الشراكات أو جدولتها الزمنية. وهنا يبرز سؤال الصحافة التحليلية: هل نملك رؤية واضحة وممأسسة لتوظيف هذه اللقاءات في خدمة التنمية الترابية الحقيقية؟ أم أن الحضور في مثل هذه التظاهرات لا يزال محكوماً بمنطق التمثيل أكثر من منطق المبادرة؟

خلاصة مفتوحة: دبلوماسية محلية في زمن الأزمات الشاملة؟

في ظل تصاعد التحديات البيئية، والهوياتية، والأمنية، تبدو الحاجة ملحة لبناء دبلوماسية لامركزية مغربية تشتغل على الواجهة الترابية، وتحول المجالس الإقليمية إلى فاعل تنموي وتفاوضي في الآن ذاته.

لكن نجاح هذا المشروع يتطلب ما هو أكثر من التوصيات والبيانات الختامية؛ إنه بحاجة إلى بنية مؤسساتية قوية، وكوادر مكونة، ورؤية استراتيجية منسجمة مع السياسات الوطنية والدولية. فهل نحن مستعدون لهذا التحول؟ أم أننا ما زلنا نكتفي بالتلويح بشعارات التعاون دون الانخراط الفعلي في هندسة مستقبله؟