هل البرلمان المغربي غير قادر على تمويل أستوديو سمعي بصري دون صدقة أوروبية؟

0
271

دشّن مجلس النواب المغربي، يوم 4 يونيو 2025، “أستوديو سمعي بصري” جديد، في حفل رسمي حضرته سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب ورئيسة مكتب مجلس أوروبا، إضافة إلى رؤساء الفرق البرلمانية واللجان الدائمة.

وقد قدّم رئيس المجلس، راشيد الطالبي العلمي، كلمة وُصفت بـ”الاحتفالية”، شكر فيها الشركاء الأوروبيين وأشاد بالتعاون البرلماني المغربي-الأوروبي في إطار مشروع “تعزيز دور البرلمان في توطيد الديمقراطية في المغرب”.

لكن وراء هذا الخبر الرسمي، تبرز أسئلة حارقة لا بد من طرحها: هل يتعلق الأمر بتوسيع فعلي لقنوات التواصل الديمقراطي؟ أم بمجرّد “تجميل مؤسساتي” في ظل أعطاب عميقة في علاقة البرلمان بالمجتمع؟ وهل يكرّس هذا المشروع شراكة متوازنة مع الاتحاد الأوروبي أم يعكس تبعية ناعمة لبرامج دعم لا تخلو من الأجندات؟

“أستوديو سمعي بصري”… أكثر من مشروع تقني؟

حسب الكلمة الرسمية، فإن المشروع يهدف إلى فتح قنوات جديدة لتواصل البرلمان مع المواطنين، ومواكبة التحديات الرقمية والإعلامية المعاصرة، في سياق يتّسم بـ”تدفق المعلومات” و”خطر التضليل”، كما قال رئيس مجلس النواب. كما اعتبر أن وجود هذا الأستوديو سيُسهّل التصريحات الصحفية للنواب ويوفر فضاءً مهنياً للصحافيين.

لكن هنا يُطرح سؤال مركزي: هل كان ينقص البرلمان المغربي أداة تقنية للبث؟ أم كانت تنقصه الجرأة على فتح النقاش الحقيقي في قضايا تحرج السلطة التنفيذية أو تمس مصالح لوبيات اقتصادية؟ بمعنى آخر، ما جدوى الاستثمار في بنية تحتية إعلامية، إذا كانت الثقافة البرلمانية ما تزال تُدار بروح تواصلية تقليدية، بل أحيانًا بيروقراطية؟

أي ديمقراطية يُراد “توطيدها”؟

المشروع تمّ ضمن برنامج أوروبي لـ”تعزيز الديمقراطية”، لكن ما طبيعة الديمقراطية التي يُراد دعمها؟ وهل تُقاس الديمقراطية بإطلاق أستوديو أو توقيع دليل إرشادي؟ أم بمدى قدرة البرلمان على ممارسة وظيفته الرقابية ومساءلة الحكومة ومحاسبتها بجرأة واستقلالية؟

 

المفارقة هنا أن البرلمان المغربي نفسه يعاني، في أعين جزء من الرأي العام، من ضعف الحضور في القضايا الكبرى للبلاد، وانفصال النقاشات التشريعية عن هموم الناس، وضعف التغطية الإعلامية النوعية لأشغاله، رغم الاعتماد على أكثر من 250 صحفياً، بحسب كلمة الرئيس. فهل سيحل الأستوديو مشكل غياب المعنى السياسي والرقابي؟ أم سيتحول إلى مجرد وسيلة لـ”تدوير الكلام” بشكل أكثر حداثة؟

بين المغرب والاتحاد الأوروبي: شراكة أم تبعية ناعمة؟

استُعملت في الخطاب عبارات تبجيلية تجاه الاتحاد الأوروبي: “دعم متواصل”، “أداء مميز للسفيرة”، “تقاسم القيم”، “الانفتاح والديمقراطية”… مما يدفعنا لطرح السؤال التالي:
هل تعني هذه العبارات تقارباً متكافئاً في القيم والقرارات؟ أم تعكس اعتماداً بنيوياً على دعم خارجي لا يخلو من اشتراطات ناعمة، تُملى عبر تمويلات تقنية وشراكات مؤسساتية؟

في ظل السياق الدولي، حيث تتزايد الدعوات الأوروبية للربط بين الدعم المالي و”قيم الديمقراطية”، يظل المغرب في موقع توازن صعب بين حماية سيادته السياسية من جهة، وبين حاجته إلى تمويلات وشراكات من جهة ثانية. فهل يدرك البرلمان أن “الشراكة الديمقراطية” يجب أن تكون متكافئة في التأثير، لا فقط في الخطابات؟

الحلقة المفقودة: الصحافة المستقلة

في كلمة العلمي، وُصف الإعلام بـ”شريك أساسي للديمقراطية”، ودُعي إلى صحافة “رصينة وهادفة”، لكن السؤال الأهم: هل يُعطى لهذا الإعلام الحيز الكافي لممارسة هذا الدور؟

كيف يمكن للبرلمان أن يدّعي انفتاحاً إعلامياً، بينما يعيش الإعلام المغربي تضييقاً متزايداً في بعض المجالات، واحتكاراً للإشهار، وضعف استقلالية التحرير، وتخوفاً من النقد البناء؟ الأخطر أن يكون الأستوديو الجديد وسيلة لـ”إعادة تدوير” خطاب المؤسسة البرلمانية في قوالب إعلامية أكثر جاذبية، دون أن يسمح بمساحة حرة للنقد والمساءلة.

خلاصة: هل تدشين أم ترميم للصورة؟

إن تدشين أستوديو سمعي بصري بمجلس النواب ليس حدثاً تواصلياً فحسب، بل هو اختبار رمزي لحالة الديمقراطية في المغرب. فهو اختبار للصدق في الإرادة السياسية، ولقدرة البرلمان على فتح أبوابه للرأي الآخر، ولقوة الإعلام في أن يكون شريكاً لا مكمّلاً لبلاغات رسمية.

وربما ما نحتاجه اليوم ليس فقط “منصة بث”، بل منصة ثقة بين المؤسسات والمجتمع، بين البرلمان والمواطن، بين الديمقراطية المعلنة والديمقراطية الممارسة.

هل ينجح البرلمان المغربي في هذا التحول النوعي؟ أم سيكون الأستوديو الجديد شاهداً على مفارقة أخرى في رحلة الانتقال الديمقراطي؟

التقنية لا تصنع المعنى… والسيادة الديمقراطية لا تُموّل فقط، بل تُمارس.