إحباط مخطط إرهابي بالرباط: هل تعيد العملية ضبط بوصلة التعاون الأمني بين المغرب وفرنسا؟

0
139

في خطوة أمنية استباقية جديدة، تمكنت المصالح المغربية، بتعاون وثيق مع نظيرتها الفرنسية، من إحباط مخطط إرهابي كان يستهدف منشأة دينية بالعاصمة الرباط، وذلك بعد توقيف طالبة موالية لتنظيم “داعش”، كانت في مراحل متقدمة من الإعداد للعملية. وبينما لم تسفر هذه المحاولة عن خسائر بشرية أو مادية، إلا أن دلالاتها السياسية والأمنية تمتد أبعد من الحدث ذاته، لتفتح الباب أمام أسئلة حارقة حول السياقات الإقليمية لعودة الخلايا النائمة، ومستوى التنسيق الاستخباراتي الدولي، والدور الذي بات المغرب يلعبه على خريطة الأمن العالمي.

الإرهاب بصيغة فردية: تحول تكتيكي أم عودة جديدة للخطر الكامن؟

المثير في هذه العملية أن الموقوفة ليست سوى طالبة تتابع دراستها في أحد المعاهد التقنية العليا، ما يطرح سؤالًا حقيقيًا حول قدرة التنظيمات الإرهابية على استقطاب عناصر من فئات يُفترض أنها مندمجة اجتماعيًا وتعليميًا. ويشير بيان المكتب المركزي للأبحاث القضائية إلى أن الشابة كانت قد تمكنت من تطوير مهارات في تصنيع المتفجرات والسموم القاتلة، ما يعيد إلى الواجهة قضية “الإرهاب الفردي”، الذي يتخذ طابعًا خفيًا يصعب التنبؤ به.

فهل نحن أمام موجة جديدة من “الذئاب المنفردة” التي تُستقطب رقميًا وتخطط محليًا؟ وما مدى فعالية الأنظمة التعليمية والاجتماعية في رصد هذه الظواهر قبل أن تنفلت من الرقابة؟

التنسيق المغربي–الفرنسي: شراكة أمنية أم تقاطع مصالح استراتيجية؟

بحسب المكتب المركزي للأبحاث القضائية، فإن العملية تمّت “بناء على معلومات استخباراتية دقيقة وفّرها الجانب المغربي للأجهزة الفرنسية”، ما يعكس تطورًا نوعيًا في التنسيق بين الرباط وباريس، تتجاوز علاقات المصلحة إلى شراكة استراتيجية متجذرة. وهي ليست المرة الأولى التي يساعد فيها المغرب فرنسا في تفادي هجمات دموية؛ إذ تشير تقارير فرنسية إلى أن المملكة لعبت أدوارًا حاسمة في كشف خلايا نائمة قبل تنفيذها لهجمات إرهابية على التراب الفرنسي.

هذا التعاون يكتسي اليوم أهمية خاصة، في ظل تصاعد المخاوف الأوروبية من عودة مقاتلين من بؤر التوتر، وتنامي خطاب التطرف عبر الإنترنت، ما يجعل المغرب في موقع محوري ليس فقط كحليف أمني، بل كفاعل إقليمي في هندسة الأمن الجماعي.

قراءة في خلفيات الحادث: هل هي رسالة مشفرة؟

من غير المستبعد أن تكون لهذه العملية أبعاد تتجاوز التنفيذ المحلي؛ إذ تأتي في ظل تحولات إقليمية دقيقة، بدءًا من التوترات في منطقة الساحل، مرورًا بتزايد النفوذ الإيراني في شمال إفريقيا، وانتهاءً بإعادة ترتيب تحالفات أمنية جديدة على خلفية الحرب في غزة وتداعياتها على أمن المتوسط. ويُرجّح خبراء أن تكون الصواريخ أو المواد التحريضية التي كانت بحوزة المشتبه بها مرتبطة بجهات خارجية، ما يفرض التوسّع في التحقيق إلى ما وراء الحدود الوطنية.

المغرب ومقاربة مكافحة الإرهاب: من الأمن إلى الوقاية

بعيدًا عن نجاح العملية، تبرز أهمية المقاربة المغربية في محاربة الإرهاب، التي تقوم على ثلاث مستويات:

  1. الأمني الاحترافي: من خلال مؤسسات قوية كالمكتب المركزي للأبحاث القضائية.

  2. الديني الوقائي: عبر تأهيل الأئمة ومواجهة الخطاب المتطرف.

  3. الاجتماعي الاقتصادي: بالاشتغال على معالجة جذور التطرف من بطالة وتهميش وفقر.

وقد نال هذا النموذج اعترافًا دوليًا، تُوّج باستضافة المغرب لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وتدريب وحدات إفريقية، فضلًا عن مشاركته النشطة في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب وقيادته لمجموعات عمل حيوية في المجال.

في الختام: هل نحن أمام “جولة استباقية” في حرب طويلة؟

العملية التي جرت في الرباط لا يمكن اختزالها في عنوان “إحباط مخطط إرهابي”، بل هي جزء من معركة استخباراتية ومجتمعية مفتوحة تتطلب يقظة دائمة، وتعاونًا دوليًا أوسع، وسؤالًا دائمًا عن كيف ومتى وأين يتشكل الخطر القادم.

إن توسيع هذا النوع من التعاون بين المغرب وشركائه الغربيين، وربطه بمقاربة تنموية شاملة، هو الرهان الحقيقي لتفكيك جذور الإرهاب لا فقط التصدي لنتائجه.