في خطوة برلمانية مهمة، وجه فريق حزب “التقدم والاشتراكية” سؤالاً كتابياً إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، يستفسر فيه عن الآفاق التنموية المتوقعة من تنظيم المغرب لكأس العالم لكرة القدم عام 2030، ويطالب بالكشف عن رؤية واضحة للتدابير التي ستُتخذ لضمان تعميم المنافع الاقتصادية والاجتماعية على كافة جهات المملكة.
مشاريع مهيكلة وفرصة تاريخية: تعزيز أم تكرار؟ لا يخفى على أحد أن المغرب أطلق خلال السنوات الأخيرة عدداً من المشاريع الكبرى التي تستهدف تحديث البنيات التحتية، من مطارات حديثة إلى شبكات سكك حديدية وموانئ ومشاريع فندقية ضخمة، في إطار استراتيجية طموحة للارتقاء بالمكانة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ويُنظر إلى استضافة كأس العالم على أنها فرصة تاريخية لتعزيز هذه المكتسبات، وتعزيز السياحة وجذب الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن تحسين صورة المغرب دولياً.
لكن التحليل الواقعي يطرح تساؤلات ملحة: هل هذه المشاريع ستتجاوز إطار المدن التي ستستضيف مباريات البطولة، لتصل إلى المناطق المهمشة التي تعاني من نقص واضح في البنية التحتية والخدمات؟ وهل هناك مخططات لضمان استمرارية الأثر التنموي بعد انتهاء الحدث الرياضي؟
العدالة المجالية: تحدي حقيقي أمام الحكومة ينبه فريق “التقدم والاشتراكية” إلى أهمية ضمان العدالة المجالية في تنفيذ المشاريع المهيكلة، مشيراً إلى ضرورة تعميم الفوائد التنموية على جميع الجهات، خصوصاً مناطق مثل جهة الشرق وجهة درعة تافيلالت، التي لا تزال تعاني من عزلة نسبية وبنية تحتية غير مكتملة.
هذا المطلب ينسجم مع الدراسات الرسمية مثل التقرير الوطني للتنمية البشرية (2022) الذي أكد على ضرورة تقليص الفوارق بين الجهات لضمان تنمية متوازنة ومستدامة.
استدراك المشاريع المتأخرة: بين الواقع والآمال من ضمن المشاريع التي يطالب الفريق باستدراكها مشروع “نفق تيشكا” وربطه بشبكة الطرق السيارة والسكك الحديدية، والتي تعد شرياناً حيوياً لربط مناطق الجنوب الشرقي بباقي المملكة. ويطرح ذلك علامة استفهام حول مدى قدرة الحكومة على تجاوز العقبات التقنية والمالية لتحقيق هذه المشاريع ضمن الأفق الزمني للبطولة.
حوكمة الاستثمار وشفافية التسيير: الطريق إلى التنمية الفعالة لا يكتفي الفريق النيابي بالتشديد على ضرورة ضخ الاستثمارات، بل يطالب أيضاً بالكشف عن الإجراءات والآليات التي ستعتمدها الحكومة لضمان عقلانية توجيه هذه الاستثمارات وفعاليتها، بما يحقق تنمية شاملة ومستدامة، وينهي الظاهرة المعروفة بتركيز المشاريع في مناطق محدودة على حساب أخرى.
وهنا يطرح السؤال: هل تتوفر الحكومة على أدوات الحوكمة المالية والإدارية الكفيلة بضمان توزيع عادل وشفاف للموارد؟ وهل هناك آليات محكمة للرقابة والمحاسبة؟
ربط الفعالية المحلية بالسياق الدولي من منظور أوسع، تكتسب تجربة المغرب أهمية خاصة في ظل التحديات التنموية التي تواجهها دول الجنوب، والتي كثيرا ما تقف عند مفترق طرق بين استضافة أحداث عالمية كبرى وإدارة إرث هذه الفعاليات بما يعود بالنفع الحقيقي على السكان المحليين.
تجارب دول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل تقدم دروساً مهمة حول أهمية التخطيط طويل الأمد وتضمين الفئات المحلية في صنع القرار التنموي.
خلاصة: ما بين الطموح والتحدي في انتظار رد رسمي واضح من رئيس الحكومة على تساؤلات فريق “التقدم والاشتراكية”، يظل تنظيم كأس العالم 2030 في المغرب اختباراً حقيقياً لمدى قدرة البلاد على تحويل الحدث الرياضي الكبير إلى محرك للتنمية الشاملة والعادلة.
النجاح الحقيقي لن يقاس بحجم الإنجازات المادية فحسب، بل بمدى استجابة المشاريع التنموية لاحتياجات كافة المغاربة، وفاعلية حوكمة الاستثمارات، وشفافية الإجراءات التي تضمن توسيع قاعدة المستفيدين بعيداً عن التركيز الجغرافي والسياسي.