في مشهد يعكس تصاعد التوتر بين الفاعلين المدنيين والسلطات السياسية حول قضايا الفساد المالي، أعلنت الجمعية المغربية لحماية المال العام أن شكاية قضائية وُجهت ضد رئيسها، محمد الغلوسي، على خلفية تصريحات نُقلت خلال ندوة صحفية تناولت ملفاً حساساً يتعلق بصفقة المحطة الطرقية بحي العزوزية بمراكش.
ما وراء الشكاية: أبعاد سياسية وقضائية
لا يمكن فصل هذه الخطوة القانونية التي تقدم بها برلمانيان بارزان، يونس بنسليمان من حزب التجمع الوطني للأحرار، والبرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، عن السياق السياسي الراهن في المغرب، حيث تشهد البلاد نقاشات حادة حول مكافحتها للفساد وتأثيره على التنمية والاستقرار.
ويأتي هذا الإجراء القضائي في ظل تحقيقات مستمرة بخصوص ملف المحطة الطرقية المذكورة، والذي يضم اتهامات جسيمة تشمل تبديد أموال عمومية واستعمال محرر رسمي مزور، تتابع فيها النيابة العامة مسؤولين بينهم المشتكيان أنفسهما، ما يطرح علامات استفهام حول استخدام القضاء كأداة في صراعات سياسية محتملة.
دور الجمعيات الحقوقية في مواجهة الفساد: بين التحديات والدعم
البلاغ الصادر عن المكتب الوطني للجمعية اعتبر أن الشكاية تأتي في إطار حملة ممنهجة تهدف إلى ترهيب المبلغين عن الفساد وإسكات الأصوات المطالبة بالمساءلة، ما يضع الجمعية في قلب صراع بين مناصري الشفافية ومناصري المصالح الضيقة. وتأكيد المكتب على إدانة التضييق على المبلغين يعكس تحديات كبيرة تواجهها الجمعيات الحقوقية في بلادنا، والتي كثيرًا ما تصطدم بسياسات تضييق وتكميم الأفواه، وهو واقع ليس مغربياً فقط بل موجود في العديد من الدول ذات السياقات السياسية المتقلبة.
التداعيات المحتملة
من المنتظر أن تُعقد جلسة المحاكمة في 18 يوليوز 2025، وهي خطوة حاسمة قد ترسم ملامح العلاقة بين القضاء والمجتمع المدني في المغرب، خاصة في القضايا المتعلقة بمحاربة الفساد. وعليه، تبرز أسئلة مهمة: هل ستتمكن العدالة من أداء دورها المنشود بحياد ونزاهة؟ وهل ستتم حماية حق المبلغين عن الفساد في التعبير والفضح؟ وكيف ستؤثر هذه القضية على المناخ السياسي والحقوقي في البلاد؟
رؤية شمولية: الربط بالسياق الدولي
في ظل التزام المغرب بمكافحة الفساد ضمن إطار التحالف الدولي لمكافحة الفساد (UNCAC)، والذي تفرضه أيضا توصيات منظمات دولية كالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، فإن هذه القضية ليست مجرد نزاع محلي، بل تعكس اختبارًا لمدى قدرة الدولة على الالتزام بمعايير الحوكمة الرشيدة والشفافية. وتجدر الإشارة إلى أن آليات حماية المبلغين عن الفساد تُعدّ حجر الزاوية في استراتيجيات مكافحة الفساد عالمياً، وتفتقدها كثير من الدول، مما يزيد من أهمية دعم الجمعيات التي تشتغل في هذا المجال.
ختامًا، مواجهة الفساد ليست فقط معركة قانونية، بل معركة ثقافية وسياسية تتطلب تحالفات واسعة بين مختلف الفاعلين: المجتمع المدني، السلطة القضائية، والمواطنين. وحماية الحقوق والحريات، لا سيما حق المبلغين عن الفساد، تُعدّ الضمانة الأساسية لتأسيس بيئة تنموية عادلة ومستقرة.
هل ستنجح هذه القضية في ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وهل ستستمر محاولات التضييق على الجمعيات الحقوقية، أم أن هناك بصيص أمل في حماية الفضاء المدني؟ هذه أسئلة مفتوحة على مستقبل مواجهة الفساد في المغرب.