“السهرة الشمالية” بطنجة… حين يتحول التراث الجبلي إلى صوت حيّ يعبر الأجيال ويُكرّم الذاكرة

0
88

في مدينة طنجة، حيث تتعانق الجبال مع البحر، وحيث تختزن الأزقة العتيقة والأنغام الصاعدة من الحضرة الشفشاونية ملامح هوية ضاربة في عمق الزمن، أطلقت مؤسسة الأندلس للفن والتراث المغاربي مبادرة ثقافية جديدة تُعيد الاعتبار للتراث الجبلي المغربي، في حلة فنية وإنسانية تحتفي بالأصالة والتنوع.

فخلال ندوة صحفية احتضنها فندق موفنبيك، مساء الجمعة 4 يوليوز 2025، كشفت المؤسسة عن تفاصيل تنظيم “السهرة الشمالية”، التي ستُقام بقصر الثقافة والفنون بطنجة يوم 11 يوليوز، تحت شعار: “التراث الجبلي: إبداع وأصالة وتجسيد للهوية المغربية”.

هذا الموعد الفني، الذي لا يقتصر على الترفيه، إنما يُمثل لحظة رمزية لردّ الاعتبار لذاكرة فنية غنية، ظلت لسنوات على هامش الإنتاج الثقافي الرسمي. وقد شهدت الندوة حضور نخبة من الفنانين المشاركين، في مقدمتهم عبدو الوزاني، ارحوم البقالي، هناء المريني، والثنائيان الكوميديان حسن ومحسن وجمال ونوال الدين، إلى جانب ممثلين عن وسائل الإعلام.

حين يغدو الغناء الجبلي فعلَ هوية

خلال هذا اللقاء، شدد المتدخلون على أن “السهرة الشمالية” ليست فقط عرضًا فنيًا، بل مساحة للاعتراف، وتجسيد لثقافة تشكل رافدًا من روافد الهوية المغربية المتعددة. فالتراث الجبلي، كما عبّر الفنانون، ليس مجرد غناء أو طقوس احتفالية، بل هو ذاكرة جماعية حية، تسكن الإيقاع والكلمة والزي واللحن، وتحمل قصصًا عن المقاومة، والحب، والمعتقد، والبيئة، والانتماء.

وفي تصريح لوسائل الإعلام، أكد عبدو الوزاني، رئيس مؤسسة الأندلس، أن هذا الحدث يسعى إلى تحقيق مصالحة بين التراث المحلي والجمهور العريض، عبر منصة تتسع للفن والمجتمع والذاكرة، مضيفًا أن المؤسسة تطمح إلى جعل السهرة تقليدًا سنويًا بمدينة طنجة، بوصفها حاضرة تاريخية ذات عمق حضاري وجغرافي استثنائي.

تكريم لرموز الذاكرة الثقافية والإعلامية

ولأن الاعتراف بالرواد ركن من أركان تثمين التراث، ستشهد السهرة لحظة وفاء وتكريم لعدد من الشخصيات البارزة في مجالات الفن والإعلام، من بينها: الفنان حاجي السريفي، عبد المالك الأندلسي، والإعلاميون عتيق بنشيكر، محمد السعودي، عبد السلام الخلوفي، عماد النتيفي، نزهة بنادي بركة، أحمد النعومي، والفاعلة الجمعوية خديجة لعبيدي.

هذا التكريم لا ينحصر في الأسماء، بل يؤسس لفعل ثقافي مقاوم للنسيان، ويبعث برسالة واضحة مفادها أن الذاكرة لا تتجدد إلا بالوفاء، ولا تُورّث إلا بالاحتضان.

نحو احتفال سنوي بالهوية الشمالية؟

بعيدًا عن الأضواء العابرة، تمثل “السهرة الشمالية” محاولة لإعادة تموقع التراث الجبلي ضمن المشهد الثقافي المغربي، ليس فقط بوصفه فرجة فنية، بل كرافد تربوي، وجمالي، وروحي، بإمكانه أن يُلهم السياسات الثقافية الجهوية، ويمنح الجيل الجديد مدخلًا للتصالح مع ذاكرته المحلية.

وهكذا، تصبح الأغنية الجبلية، والحضرة الشفشاونية، والمسرح الشعبي، وسائل تعبير عن المغرب المتعدد، المتجذر في بيئاته المختلفة، والمتصالح مع مكوناته.