هل سُحِبت البساط من تحت أقدام المقاولات الصغرى؟…قراءة تحليلية في خطاب عبد الله الفركي في مواجهة خطاب رئيس الحكومة

0
424

لم يكن بيان عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة، مجرد رد تقني على مداخلة رئيس الحكومة الأخيرة داخل قبة البرلمان. بل بدا أشبه بـ”نداء استغاثة استراتيجي” يضع اليد على الجرح المقاولاتي المغربي المزمن: التهميش المؤسساتي لمقاولات تشكّل 98.4% من النسيج المقاولاتي الوطني، وتوفر أكثر من 83% من مناصب الشغل في القطاع الخاص، ومع ذلك تُترك في هامش “السياسات الكبرى”.




“خطاب لا يعنينا”… هكذا استقبل الفاعلون المقاولون كلمة رئيس الحكومة

كلمة رئيس الحكومة، كما رآها الفركي، لم تحمل أي مؤشرات فعلية على نية الحكومة في تغيير المقاربة. فالدعم ما زال موجّهًا لنفس الشبكات الاقتصادية المتحالفة مع السلطة السياسية، والصفقات العمومية تستمر في الدوران داخل نفس الدوائر المعلومة.

بل الأسوأ من ذلك، هو استمرار الضغط المالي على هذه الفئة من المقاولات، من خلال آليات الحجز الضريبي، وصعوبات الأداء للضمان الاجتماعي، مما يُفاقم من هشاشة هذه المقاولات، ويهدد الآلاف منها بالإفلاس.

مرسوم استثمار بـ12 مليار درهم… ولكن لمن؟

أخطر ما أشار إليه الفركي يتمثل في المرسوم الجاري تداوله داخل البرلمان، والذي يُفترض أن يخصص 12 مليار درهم لدعم الاستثمار، لكنه مشروط بشروط “تعجيزية” تُقصي فعليًا المقاولات الصغيرة والمتوسطة. وهو ما يطرح تساؤلًا مريرًا: من يكتب شروط الدعم؟ ولمصلحة من؟

ألم يكن حريًا بالحكومة أن تُخصّص هذا الصندوق كرافعة فعلية لاستعادة الثقة بين الدولة والمقاولة الوطنية الصغرى بدل تعميق التفاوتات داخل القطاع نفسه؟

قراءة في ما لم يُقال…

في خلفية هذا البيان، يلوح تساؤل كبير: هل نحن بصدد سياسة تمييز إيجابي لصالح شركات كبرى، أم تمييز سلبي مقصود ضد فئات المقاولة التي لا تملك شبكات ضغط و”قرب سياسي”؟ ولماذا تُركت نسبة 20% من الصفقات العمومية، التي ينص عليها القانون لفائدة هذه الفئة، دون تفعيل منذ سنوات؟ أين يتعثر التنفيذ؟ وهل هناك إرادة سياسية أم عجز إداري؟

من جهة أخرى، يعيد الفركي التذكير بأن البرامج كـ”فرصة” و”انطلاقة”، بدل أن تكون أدوات للتمكين، تحولت إلى مصادر مديونية وأعباء إضافية على مقاولات غير محمية.

في أرقام صامتة… صرخة جماعية

340 مليار درهم خصصتها الحكومة في قانون المالية الحالي للاستثمار العمومي. ولكن، كم من هذه المليارات سيصل فعليًا إلى أصغر مقاولة في الأطلس المتوسط أو الجنوب الشرقي أو هوامش الدار البيضاء؟ وهل يمكن لمقاولة لا تملك محاميًا أو مستشارًا سياسياً أن تتنفس في بيئة اقتصادية “مقولبة” بهذا الشكل؟

أسئلة تنتظر إجابات سياسية:

  • هل لدى الحكومة خطة حقيقية لإنقاذ هذا الجزء الأكبر من النسيج المقاولاتي؟

  • هل نحتاج إلى تعديل القوانين فقط، أم إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمقاولة؟

  • إلى متى سيظل الخطاب السياسي “يفترض” أن الشركات الكبرى وحدها هي المحرك الاقتصادي؟

  • وهل بات من الضروري التفكير في قانون إطار جديد يفرض حدًا أدنى من التمييز الإيجابي تجاه هذه الفئة؟

خاتمة مفتوحة:
إن بيان عبد الله الفركي ليس بيانًا احتجاجيًا بقدر ما هو جرد حساب وطني صريح. إنه تذكير بأن الدولة التي لا تُعطي قيمة لما يُنتجه أصغر مقاول، ستدفع لاحقًا فاتورة الإقصاء الجماعي.

فهل نعيد النظر في عقود الظل داخل السياسات العمومية، أم سنترك 98.4% من المقاولات تواجه مصيرها منفردة؟