في لحظة مفصلية بالنسبة للصحافة المغربية، عُرض على لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب مشروع قانونين يهمان مهنة الصحافة، أبرزُهما مشروع “إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة”.
لكن، عوض أن يحمل النص روح الإصلاح، اختار أن يعيد تشكيل الجسد التنظيمي على مقاس التحكم الإداري والمصالح الخاصة، في تجاهل تام لما راكمه المغرب طيلة عقدين من الزمن في سبيل حرية الصحافة واستقلالها.
المظهر الإصلاحي… والمضمون المربك
يبدو المشروع، في ظاهره، امتدادًا لإصلاح مهني، يراعي تحولات المهنة ومشاكل التمثيلية، لكنه في الجوهر يعيد إنتاج نفس الأعطاب البنيوية: سلطة بدون استقلال، تمثيلية شكلية، وضبط إداري يتخفّى تحت شعار التنظيم الذاتي.
أخطر ما في النص أنه يستند إلى لغة قانونية مُحكمة، لكنه يُفرغ “التنظيم الذاتي” من روحه، ويحوّله إلى جهاز رقابي تتقاسمه جهات مقربة من السلطة والمال، بعيدًا عن تمثيل حقيقي للجسم المهني أو إرادة الصحافيين أنفسهم.
ما قاله الوزير بنسعيد: تحسين أم تبرير؟
خلال تقديمه لمشروع القانون، أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، أن “القانون يستجيب للتحولات العميقة التي يعرفها قطاع الإعلام، ويمنح الصحافيين حماية قانونية أقوى، مع تعزيز جودة الممارسة وضمان الحقوق”.
كما أبرز الوزير أن التعديلات شملت تعاريف أصناف الصحافيين، وإدراج حقوق المؤلف، وتوضيح شروط بطاقة الصحافة المهنية. وأشار إلى إمكانية استفادة الصحافيين والمؤسسات من المكتب المغربي لحقوق المؤلف (BMDA) مستقبلًا.
لكن التعديلات التقنية التي عرضها الوزير، رغم أهميتها الشكلية، لا تُعالج جوهر الإشكال: غياب استقلالية القرار داخل المجلس، والإقصاء الفعلي لفئات مهنية واسعة، مقابل تقوية نفوذ أقلية مالكة وفاعلة في دوائر القرار.
تركيبة المجلس… تكريس للهيمنة؟
أحد أكبر التحولات التي جاء بها المشروع هو تقليص تركيبة المجلس إلى 7 صحافيين و7 ناشرين و3 أعضاء من مؤسسات دستورية، وإقصاء تام لمكونات كانت تمنح شرعية معنوية للمجلس، كهيئة المحامين أو اتحاد كتاب المغرب.
أما طريقة انتخاب الصحافيين، فتعكس منطق “التفتيت”، إذ يُطلب منهم أن يترشحوا كأفراد، دون أي اعتراف بالنقابات أو الجمعيات المهنية. وكأن المشروع يُعامل الجسم الصحافي كمشتبه به، لا كفاعل مدني مسؤول.
أما تمثيلية الناشرين، فهي المفاجأة الأكبر: مقاعد مُخصصة على مقاس أقلية مالكة ونافذة، يتم اختيارها ليس بالكفاءة أو الاستحقاق المهني، بل بميزانياتها وقدرتها على التأثير، في إقصاء تلقائي للمقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تشكّل العمود الفقري للإعلام المستقل.
من فضاء للتنظيم إلى جهاز للرقابة
ينتقل المشروع من فكرة “هيئة أخلاقية مستقلة”، إلى مؤسسة بصلاحيات تأديبية زجرية، قادرة على حجب صحيفة لمدة شهر دون حكم قضائي، أو اتخاذ قرارات تؤدي إلى إعدام اقتصادي لمؤسسات إعلامية.
بكلمة واحدة، المجلس المقترح ليس هيئة مستقلة، بل أداة ضبط بأنياب حادة.
هل نحن أمام قانون إصلاحي… أم مشروع “احتكار ذاتي”؟
إذا كانت النية بناء تنظيم مهني مستقل، فالمطلوب:
-
انتخاب حر وشفاف للممثلين.
-
تمثيلية عادلة ومتوازنة.
-
استقلال وظيفي ومالي.
-
ومجلس يُدافع عن حرية الصحافة، لا يضبطها.


