آيت بوكماز: مسيرة الأقدام التي عرّت هشاشة الدولة في الجبل

0
316

حين تسير الجبال نحو المركز…
في آيت بوكماز، حيث يلتقي جمال الطبيعة بجراح التهميش، قررت الساكنة أن تكسر الصمت وتسلك الطريق نحو الضوء. لم تكن مجرد مسيرة احتجاجية، بل محاكمة صامتة لسياسات نسيت أن للمغرب عمقًا حيًّا يتنفس بصعوبة. مئات الخطوات، وعشرات الشعارات، ترددت بين جبال أزيلال ودهاليز السلطة… فهل تصحو الدولة على وقع هذا النداء الجبلي؟

في خطوة غير مسبوقة، خرجت ساكنة آيت بوكماز في مسيرة احتجاجية سلمية انطلقت من دواويرهم الجبلية نحو ولاية جهة بني ملال خنيفرة، للتعبير عن غضبهم إزاء التهميش المزمن الذي يطال منطقتهم.

حمل المحتجون مطالب واضحة تتعلق بالحق في الصحة، والطرق، والتغطية الهاتفية، والتكوين، والرياضة، والتعليم، والتنمية العادلة.

وقد عبّروا عن ذلك بطريقة حضارية، رافعين الأعلام الوطنية ولافتات تفضح الإقصاء، وتطالب بربط المغرب العميق بالوطن النافع.

رسالة قوية من الجبل إلى المركز، تعيد إلى الواجهة سؤال العدالة المجالية وتُحرج الوعود التنموية المتعثرة.

المئات من الرجال والنساء والشباب، بعضهم راجلون، وآخرون في سيارات متهالكة، خرجوا حاملين الأعلام الوطنية، باتجاه ولاية جهة بني ملال خنيفرة. لا يطلبون إسقاط نظام، ولا يشككون في الانتماء، فقط يطالبون بما يسميه الدستور “العدالة المجالية”.

مطالب بسيطة.. تكشف فشلاً عميقاً

اللافتة المركزية للمسيرة تختصر الحكاية: طبيب قار في المركز الصحي، طريق معبّدة نحو أزيلال، تغطية هاتفية وإنترنت، ملعب رياضي، مركز للتكوين المهني، مدرسة جماعاتية، وسدود تلية تحمي الأراضي.

كلها مطالب قد تبدو متواضعة في قاموس المدن الكبرى، لكنها في الجبل تعني الفرق بين الحياة والموت، بين الكرامة واليأس، بين البقاء والنزوح.

رمزية الاحتجاج: الأقدام تقول ما لا تقوله الخطب

في بلد تُطرح فيه مسألة “النموذج التنموي الجديد”، تُسجّل آيت بوكماز احتجاجها بلغة الأقدام. مشهد يؤكد أن الهوة بين التخطيط والميدان لا تزال عميقة. فالمنطقة لا تصلها وسائل النقل العمومية، ولا تملك بنيات الاستقبال الإدارية، ولا تتوفر على مستشفى إقليمي قريب.

الطرق التي تربطها بالمحيط، مثل الطريق الجهوية رقم 302، لا تصلح سوى لإيصال صورة بؤس إلى الزائر. أما المركز الصحي، فيعيش على الإنعاش المؤقت، بدون طبيب قار، وفي ظل عجز في المعدات والأطر.

حين تغيب الدولة الرقمية عن الجبل

في زمن الرقمنة والتعليم عن بعد، لا تزال دواوير آيت بوكماز خارج تغطية الهاتف والأنترنت. الأمر لا يتعلق فقط بالعزلة، بل بحرمان أجيال من الحق في التعلم، والتواصل، والانخراط في الاقتصاد الرقمي.

شباب بلا ملعب، وجبل بلا أفق

غاب عن ذهن المخططين أن الجبل ينتج مواهب تحتاج فقط إلى فضاء يحتضنها. فالمحتجون طالبوا بملعب رياضي بسيط، ومركز تكوين مهني في مهن الجبل، لعلّ ذلك يخفف من نزيف الهجرة، ويمنح للشباب بدائل حقيقية عن الفراغ والانفلات.

قانون الجبل.. وعدٌ لم يولد بعد

رغم أن المغرب صادق على قانون خاص بالمناطق الجبلية، إلا أن ساكنة آيت بوكماز تعتبره حبرًا على ورق. فكل مؤشرات التنمية الحقيقية لا تزال غائبة. ويبدو أن التنفيذ لا يزال رهين بيروقراطية مركزية لا ترى الجبل إلا عبر صور الأقمار الصناعية.

صرخة سلمية.. فهل من مجيب؟

مسيرة آيت بوكماز ليست ضد أحد، بل مع الوطن، ومع الحق في الكرامة. لكن صمت الجهات الرسمية حتى الآن يزيد من الإحساس بالإحباط، ويطرح سؤالًا قديمًا جديدًا: متى تتحول الدولة من رد الفعل إلى الفعل التنموي الاستباقي؟

إذا لم تستطع الدولة أن ترى الجبل، فعلى الأقل أن تسمع صوته.

فبدون إدماج فعلي وعادل للمغرب العميق، سيبقى مشروع التنمية ناقصًا، مهددًا، ومحكوماً باللاتوازن… وهو ما لم يعد مقبولًا في مغرب 2025.