حين لا يكفي فتح المعابر: هل تصمد الشراكة المغربية الإسبانية أمام موجة التحريض؟

0
106

بين الشراكة الرسمية والكراهية اليومية: عندما تصطدم عملية “مرحبا” بجدران التطرف الإسباني

في الوقت الذي تسارع فيه الحكومتان المغربية والإسبانية إلى تبديد الشائعات وتقديم التطمينات حول مستقبل العلاقات الثنائية، يعيش عدد من المغاربة المقيمين في إسبانيا واقعًا مناقضًا تمامًا لما تروّج له التصريحات الرسمية. ففي ذروة عملية “مرحبا”، التي يفترض أن تكون مناسبة للتقارب الإنساني واللوجستي بين ضفتي المتوسط، يتعرض مغاربة كُثر لممارسات عنصرية واستفزازات من قبل متطرفين إسبان، يعادون ليس فقط وجود الجالية المغربية، بل كل ما يمت للعلاقة مع المغرب بصلة.

تصريحات وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، التي نفت نية إغلاق المعابر الجمركية في سبتة ومليلية المحتلتين، قد تكون رسالة تطمين على المستوى الدبلوماسي، لكنها لا تلغي المخاوف التي تصاعدت في الأوساط الحقوقية والإعلامية المغربية من تصاعد الخطاب المعادي للمغاربة، والذي يجد صداه لدى بعض التشكيلات السياسية اليمينية المتطرفة في إسبانيا، التي لا تتردد في استغلال أي ظرف – حتى مجرد إجراءات تقنية لعبور العائلات – لتأجيج الكراهية والتحريض.

“حرب خفية ضد الجالية المغربية في إسبانيا”.. ليلتان من الرعب، وتهديدات متطرفة، وصمت رسمي يُثير الريبة

“قراءات خاطئة أو مدفوعة بدوافع تهدف للإضرار بالعلاقات الجيدة بين مدريد والرباط”.

تصريح ألباريس لم يكن مجرد نفي، بل تأكيد على التزام سياسي رفيع بمسار الشراكة الإستراتيجية، التي تعززت منذ الموقف الإسباني الداعم لمغربية الصحراء سنة 2022. وهو تصريح يمكن اعتباره رسالة مزدوجة: تطمين للرباط من جهة، وتحذير للتيارات المتطرفة داخل إسبانيا من جهة أخرى.

لكن، رغم أهميته الدبلوماسية، لا تُلغي هذه الرسالة حجم المخاوف المتصاعدة في أوساط الجالية المغربية، لا سيما بعد الحوادث العنصرية في مدن مثل تورّي باشيكو، والتحريض العلني الذي تقوده تيارات سياسية مثل حزب Vox، والذي يسعى لاستثمار أي إجراءات إدارية ـ مثل عبور مرحبا ـ كأداة لتأليب الرأي العام على المهاجرين المغاربة.

وإذا كانت مدريد والرباط قد اتفقتا على إعطاء الأولوية لحركة عبور المسافرين خلال الصيف، فإن هذا القرار لم يُعفِ العابرين من نظرات الشك، والإجراءات المهينة، والتمييز الهادئ على الأرض. بل أكثر من ذلك، فإن تلك “القراءات الخاطئة” التي تحدّث عنها ألباريس ليست دائمًا عفوية، بل تُستثمر ضمن خطاب سياسي يميني صاعد، يناهض كل شكل من أشكال التقارب مع العالم العربي والمغاربي تحديدًا.

إن عملية “مرحبا”، التي تُعدّ واحدة من أكبر العمليات اللوجستية العابرة للحدود في العالم، لا يجب أن تُختزل في عدد السيارات أو ساعات العبور، بل يجب أن تكون اختبارًا لمدى نضج العلاقات الثنائية، وقدرة الدولتين على حماية كرامة الإنسان المغربي على الأراضي الأوروبية، لا سيما حين يكون عرضة للتحريض أو الشك أو التمييز.

رغم أن التقارير الرسمية تصف العلاقات المغربية الإسبانية بـ”النموذجية”، فإن هذه العلاقة لن تكتمل دون ضمان الحماية القانونية والاجتماعية للجالية المغربية في إسبانيا، وضمان ألا تكون عرضة لكل موجة انتخابية أو أزمة داخلية.

فلا يمكن لشراكة استراتيجية أن تزدهر على طاولة المفاوضات، بينما تنهار في الشارع الإسباني تحت ضربات التحريض والتطرف. وما بين المعابر التي تُفتح بتنسيق وزاري رفيع، وقلوب تُغلق في وجه أبناء الجالية، تقف الحقيقة، مؤلمة أحيانًا، وغائبة غالبًا عن الخطاب الرسمي.

خلاصة:

تصريحات ألباريس، رغم جديتها وأهميتها في الحفاظ على المسار الاستراتيجي للعلاقات الثنائية، لا تكفي وحدها.

السؤال الأهم: هل تترجم مدريد هذه الإرادة السياسية إلى حماية حقيقية على الأرض؟ وهل تكفي لغة الاقتصاد والمشاريع الكبرى لتغطية مشاهد الاستفزاز والعنصرية؟ وهل تكون “مرحبا” هذه السنة مجرد معبر، أم فرصة لإعادة التفكير في ما يعنيه فعلًا “أن تكون مغربيًا في إسبانيا”؟