ما الذي تبقّى من الوطن فينا… حين نغادره؟
في زمن الترحال المعولم، لا يعود الوطن مجرد جغرافيا نعيش عليها، بل يتحول إلى سؤال يومي في الوعي والضمير: من نحن؟ وأين ننتمي؟ وهل يكفي حمل جواز سفر لنقول إننا أبناء وطن ما؟
الكاتب منير لكماني ، ينطلق من تأمل بسيط لكنه عميق: التراب قد يسكننا أكثر مما نسكنه. إنه انقلاب رمزي على معادلة الانتماء التقليدي، حيث يصبح الوطن حالة داخلية لا ترتبط بالمكان قدر ارتباطها بالإحساس بالمسؤولية، والقدرة على الاستمرار في الحُب رغم الخيبات.
الانتماء… بين ثقافة التلقين ووعي التحمّل
في عالم اليوم، نُلقَّن حب الوطن منذ الصغر عبر النشيد، والرموز، والاحتفالات، لكننا نادراً ما نُربّى على معناه العميق: أن يكون الوطن مرآتنا لا مجرد خلفية لصورنا.
يرى التحليل هنا أن الانتماء ليس طاعة عمياء ولا تكراراً شعاراتياً، بل موقف نقدي بنّاء: أن نشتكي من الخلل لا لنُشهره، بل لنُصلحه. هذه الفكرة تضع يدها على جوهر الأزمة في علاقتنا مع أوطاننا: نطالبها بالكمال، لكن لا نكلف أنفسنا جهد إصلاحها.
من يغرس في الأجيال بذور الاغتراب؟
واحدة من أكثر الأفكار استفزازًا في النص هي: الاغتراب لا يبدأ بالرحيل الجسدي، بل بانقطاع الشعور. إنها دعوة صريحة لإعادة النظر في الخطاب العائلي والتربوي الذي يصوّر الوطن كـ”عقوبة” أو “عائق” أمام الطموح، لا كفضاء للتحقق والتغيير.
حين نعلّم أبناءنا السخرية من مؤسساتهم، واحتقار مسؤولينهم، والبحث عن “الخلاص الفردي”، فإننا نُمهّد، من حيث لا ندري، لتكرار “الانفصال الوجداني”، أي جيل يهاجر وهو ما يزال على أرض الوطن.
بين الشعور والممارسة: الوطن يحتاج أفعالًا لا قصائد
يشدد النص على أن حب الوطن لا يُقاس بالكلمات، بل بالأفعال اليومية الصغيرة: احترام القانون، الحفاظ على الممتلكات العامة، دعم المبادرات المحلية. إنها أخلاق الانتماء التي لا تظهر في المناسبات، بل في السلوك العادي الصامت.
وهنا يُطرح سؤال جوهري: هل نحب أوطاننا حقًا؟ أم فقط حين تعكس لنا صورة نحبها؟
نحو عقد وطني جديد: ما العمل؟
لعل أبرز ما يميز هذا الخطاب التحليلي أنه لا يكتفي بالتشخيص، بل يقدّم خريطة طريق واضحة لاستعادة معنى الانتماء:
-
زرع الحب قبل النقد: فالإصلاح لا يأتي ممن يحتقر، بل ممن يُحب رغم الألم.
-
إصلاح الخطاب الإعلامي والتربوي: لصناعة وعي لا يتغذى على المظلومية أو النرجسية.
-
غرس روح المشاركة: حيث يشعر كل مواطن أن له دورًا – ولو صغيرًا – في البناء.
-
الاحتفاء بالنماذج الصامتة: التي تشتغل بعيدًا عن الضجيج أو المحسوبية.
-
تحويل الانتماء إلى سلوك: لا إلى شعار أو صورة في منشور فيسبوكي.