“رحيل أبو طروق في صمت: ألم الخذلان الرسمي ووفاء الصحافة الحرة”

0
540

في لحظة موجعة، ودّعنا الصحفي المستقل محمد أبو طروق، الذي رحل في صمت لا يليق بصوته الحر ولا برسالته الإعلامية الصادقة. لم يكن موته مجرد واقعة عابرة، بل مأساة تكشف خللًا مؤلمًا في المنظومة التي تُفترض أن تحمي من يُبلّغون صوت الحقيقة.

أبو طروق، الذي عانى في صمت، وجد نفسه في مواجهة المرض دون سند من الدولة، رغم مناشدات زملائه وبعض النشطاء المدنيين، ورغم الأمل الذي وُلد بمحاولة نقله للعلاج خارج المغرب، ظلّ الانتظار طويلاً، ولم تأتِ الاستجابة من الجهات الرسمية، لا من وزارة الصحة ولا من وزارة الاتصال، الجهة التي من المفترض أن ترعى شؤون الصحفيين، جميعهم، لا فقط المنتمين للمؤسسات الرسمية.

لكن لا يمكن أن نُعمّم الخذلان. فالنقابة الوطنية للصحافة المغربية لم تقصر، ورئيسة الجمعية الاجتماعية للصحافيين، حنان، كانت في الموعد، حاضرة بالدعم والمرافقة، مساهمة في تكاليف العلاج، ساعية بكل السبل الممكنة لتخفيف ألم الراحل. هؤلاء هم الصحفيون الذين يعرفون معنى الوفاء لرفاقهم، والذين لم ينتظروا تعليمات أو ميزانيات أو “مذكرات دعم”.

إن الخذلان الحقيقي لم يكن من زملائه، بل من دولة جعلت من “الدعم الإعلامي” أداة للتمييز، تتجاهل الصحفي المستقل، وتحصر الحماية في الإطار المؤسساتي الرسمي، وكأن الصحافة الحرة لا تستحق الحياة، لا الحق في التغطية الاجتماعية، ولا في التطبيب، ولا حتى في الاعتراف.

رحل أبو طروق، ولكن رحيله يجب أن يُحدث صدى. يجب أن يفتح نقاشًا جديًا حول ضرورة إقرار وضع قانوني واجتماعي للصحفيين المستقلين، يضمن كرامتهم في حياتهم، لا فقط في بيانات التأبين بعد وفاتهم. فهل ستتحرك الدولة، بعد هذه الفاجعة، لتصحيح هذا الإهمال البنيوي؟ أم أن مأساة أبو طروق ستُضاف إلى أرشيف النسيان الرسمي؟

هذا ليس نداء عاطفيًا، بل دعوة لتحمّل المسؤولية. فالصحفيون المستقلون ليسوا هواة، بل هم صوت من لا صوت له، وجزء لا يتجزأ من الضمير المهني للمغرب.