ليلة الجالية بمسرح محمد الخامس… حين يعانق الوطن أبناءه عبر الفن

0
141

كان المساء الرباطي يكتسي حلّة خاصة… الأضواء تنعكس على جدران مسرح محمد الخامس العتيقة، وصفوف الكراسي تستعد لاستقبال مزيج من اللهجات والابتسامات القادمة من بعيد. في البهو، تختلط رائحة العطور الأوروبية بعبق النعناع المغربي، وتتصافح أيدٍ لم تلتقِ منذ سنين. همس الجمهور قبل بدء الحفل يشبه نقرات موسيقى خفية، كأن الجميع في انتظار نبضة أولى ستعلن بداية ليلة لا تشبه سواها.

في قلب العاصمة المغربية، وبين جدران مسرح محمد الخامس التي شهدت على عقود من الإبداع، التأم الفن بالحنين في ليلة لا تشبه سواها… إنها النسخة الأولى من “سهرة الجالية”، التي نظمتها جمعية ملتقى الثقافة والفنون والرياضة والتنمية بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والتواصل، احتفاءً باليوم الوطني للمهاجر.

كانت الرباط تلك الليلة مدينة مفتوحة القلب، حيث امتلأت القاعة عن آخرها بجمهور متنوع الملامح واللهجات، جاء من مدن المغرب الكبرى، ومن هولندا وإسبانيا وفرنسا وجزر الكناري وقطر، ليلتقي على منصة واحدة الفن المغربي بامتداداته في المهجر.

منصة جمعت الرموز والوجوه الصاعدة

لم تكن السهرة مجرد حفل غنائي، بل لوحة فسيفسائية من الألوان الموسيقية المغربية، قادتها أصوات صنعت اسمها في ديار الغربة، وجاءت محملة بشغف العودة والاعتراف. على رأس هذه الأمسية حضر النجم الشعبي عبد العزيز الستاتي، وعميد فن العيطة حجيب، في حضور وصفه الحاضرون بأنه “دفعة قوية لرسالة الحفل”، إذ جمع بين رمزية الكبار وحماسة الجيل الجديد.

تكريم الكفاءات… الفن يلتقي مع النجاح في المهجر

في لحظة إنسانية مؤثرة، أطفأت الأضواء لتسلط على أسماء مغربية أضاءت مساراتها المهنية والإنسانية خارج الحدود:

  • رفيعة غيلان: الإطار العالي ومديرة مهرجان السلام ببروكسيل.

  • سيدة الأعمال المغربية بمدريد التي صنعت حضورًا لافتًا في مجالها.

  • محمد النقاش: مستثمر ورجل مبادرات إنسانية في مدريد.

  • أحمد النعومي: فاعل جمعوي ووجه بارز في التعريف بالثقافة المغربية بأوروبا.

كانت لحظة التكريم بمثابة جسر بين الاعتراف الرسمي ودفء الامتنان الشعبي، وكأن المسرح يقول لكل واحد منهم: “أنت لست بعيدًا… فالمغرب معك أينما كنت”.

من وراء الكواليس… رهانات وأحلام

محمد السعودي، رئيس الملتقى، تحدث للصحافة بعين يملؤها الفخر: “هذه السهرة هي رسالة امتنان واعتراف، وستبقى تقليدًا سنويًا لتكريم الطاقات المغربية بالخارج… فكل مكرم هو سفير لوطنه، والنسخة المقبلة ستفتح ذراعيها لطاقات جديدة من إيطاليا، السويد، ألمانيا، الولايات المتحدة، وكندا”.

ليلة تكتب بدايتها

لم يكن مسرح محمد الخامس مجرد فضاء للحفل، بل منصة لإعادة صياغة علاقة المغرب بأبنائه المبدعين في الخارج. ومع ختام السهرة، لم يغادر الجمهور القاعة فقط، بل أخذ معه شعورًا بأن الفن ليس ترفًا، بل رابطًا حيًا يوحد الذاكرة والهوية، ويعيد تعريف الوطن ليشمل كل من يحمله في قلبه أينما ارتحل.