مجلس المنافسة المغربي 2024: صراع السوق والعدالة الاقتصادية بين الأرقام والسياسة الاقتصادية

0
129

السوق المغربي تحت مجهر المنافسة: 162 قراراً، 9 ملفات تنازعية، وزيارة وحجز مفاجئة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل إنذار واضح لكل الفاعلين الاقتصاديين: القانون هو المقياس، والمنافسة العادلة ليست خياراً، بل أساس استقرار الاقتصاد وحماية المستهلك. المواطن المغربي يترقب أن تنعكس هذه القرارات على الأسعار، وفرص الشغل، وجودة الخدمات اليومية.

التقرير السنوي 2024 لمجلس المنافسة، المقدم إلى الملك محمد السادس، يكشف عن نشاط مكثف يترجم إرادة حازمة لضبط المنافسة وحماية السوق الوطني من الممارسات المنافية لقواعدها. التقرير، الذي اطلعت هسبريس على نسخه الكاملة، يوثق 171 قراراً وثلاثة آراء استشارية، شملت مراقبة التركيزات الاقتصادية، محاربة الاحتكار والممارسات غير القانونية، وتقديم استشارات استراتيجية للفاعلين الاقتصاديين والسلطات العمومية.

التركيزات الاقتصادية: صدارة النشاط واستراتيجية المواجهة

استحوذت مراقبة التركيزات الاقتصادية على أكثر من 93% من القرارات الصادرة عن المجلس، بمجموع 162 قراراً.

التقرير سجل تراجعاً مقارنة بسنة 2023، التي شهدت صدور 204 قراراً، وهو ما فُسّر بعدة عوامل:

  • الحجم الاستثنائي لملفات التبليغ سنة 2023، الناتج عن عملية التسوية التي أطلقها المجلس، والتي سمحت للفاعلين بالإبلاغ عن عمليات أنجزت دون ترخيص مسبق مقابل تسوية تصالحية.

  • مراجعة سقف رقم المعاملات الواجب تحقيقه لتبليغ مشاريع التركيز الاقتصادي، التي دخلت حيز التنفيذ في 24 ماي 2023، ما أدى إلى توقع انخفاض عدد الملفات بنسبة 30 إلى 40%.

رغم ذلك، تمكن المجلس من معالجة 162 عملية، متجاوزاً التوقعات، حيث تم الترخيص لـ155 عملية تركيز اقتصادي، وأُعلنت 4 حالات بعدم إلزامية التبليغ.

الملفات التنازعية: تدخل قضائي استثنائي

أشار التقرير إلى 9 إحالات تنازعية، منها ملفات ذات حساسية عالية مثل:

  • شبهات ممارسات منافية للمنافسة في سوق الأداء الإلكتروني.

  • رفض شركة متعددة الجنسيات احترام قرارات المجلس بشأن المراقبة الحصرية لشركة أخرى في قطاع التدبير المفوض للخدمات العمومية، مع تفويت جزء من أنشطتها وأصولها.

في هذا الإطار، فعّل المجلس لأول مرة مقتضيات المادة 36 من القانون رقم 12-104، ما يشير إلى استعداد المجلس لتفعيل صلاحياته القانونية الكاملة في مواجهة التجاوزات الاقتصادية الكبرى.

كما شهدت السنة الأولى من المبادرة الذاتية للمجلس أول عملية زيارة وحجز مفاجئة، تتعلق بسوق خدمات التوصيل إلى المنازل عبر التطبيقات، في خطوة تعكس التطبيق العملي للمواد القانونية المنظمة لحرية الأسعار والمنافسة ومهام المجلس.

الآراء الاستشارية: تعزيز المنافسة في القطاعات الحيوية

لم تقتصر نشاطات المجلس على القرارات الجزائية، بل شملت آراء استشارية بارزة حول:

  • وضعية المنافسة في قطاع الكهرباء وآفاق تطويره.

  • أسواق الخضر والفواكه وسوق الأعلاف المركبة.

هذه التحليلات أسفرت عن توصيات هادفة لتعزيز المنافسة داخل القطاعات الاستراتيجية، بما ينعكس على فعالية الأسواق واستقرار الأسعار لصالح المستهلك.

التوزيع القطاعي للتركيزات الاقتصادية: الصناعة التحويلية في الصدارة

كشف التقرير عن هيمنة القطاع الصناعي التحويلي بـ45 قراراً، تلاه قطاع “أنشطة الخدمات الأخرى” بـ33 قراراً، وقطاع “الصحة البشرية والعمل الاجتماعي” بـ19 قراراً.

التوزيع يعكس:

  • توجه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية والخدماتية ذات القيمة المضافة العالية.

  • أهمية الصناعات التحويلية كمحرك أساسي للنسيج الاقتصادي الوطني.

  • حضور ملحوظ لقطاعات التجارة والنقل والتخزين والإعلام والتواصل، ما يدل على تنويع النشاط الاقتصادي.

في المقابل، سجلت بعض القطاعات مثل البناء والعقار والفنون والترفيه نسباً محدودة، ما يعكس تفاوت جاذبية القطاعات للاستثمار واندماج الفاعلين الاقتصاديين.

النتائج المتوقعة للمواطن والاقتصاد الوطني

الجهود المبذولة من مجلس المنافسة تهدف إلى:

  • تعزيز شفافية السوق وحماية المنافسة العادلة.

  • منع الاحتكار والممارسات المنافية للمنافسة التي تضر بالمستهلك المغربي.

  • دعم الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية والخدماتية عالية القيمة، بما يعزز النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل.

وبحسب التقديرات المالية للمجلس، بلغت إجمالي المبالغ المرتبطة بالقرارات أكثر من 2812 مليار درهم، مع استثمارات مغربية تفوق 80 مليار درهم، ما يعكس الأهمية الاقتصادية القصوى لهذه القرارات.

قراءة تحليلية: مجلس المنافسة في قلب التحولات الاقتصادية

التقرير السنوي لمجلس المنافسة يظهر أن المجلس لم يعد مجرد هيئة رقابية، بل أصبح فاعلاً استراتيجياً في توجيه السوق، حماية المنافسة، وتحفيز الاستثمارات.

  • المبادرات القضائية الاستثنائية والزيارات الميدانية تعكس قدرة المجلس على التعامل مع ملفات شائكة ومعقدة.

  • الآراء الاستشارية تشير إلى قدرة المجلس على تقديم توصيات ملموسة لتحسين بيئة المنافسة في القطاعات الحيوية.

في هذا السياق، المواطن المغربي يمكن أن يتوقع أسواقاً أكثر شفافية، حماية من الممارسات غير القانونية، وتحفيزاً للاستثمار الوطني والأجنبي على حد سواء.

قسم جانبي: أرقام ومؤشرات

  • عدد القرارات الصادرة سنة 2024: 162 قراراً.

  • عدد الإحالات التنازعية: 9 إحالات (8 مع عقوبة مالية، 1 مع تعهد).

  • إجمالي الاستثمارات المرتبطة بالقرارات: 2812 مليار درهم.

  • رؤوس أموال مغربية مستثمرة: أكثر من 80 مليار درهم.

  • القطاعات الأكثر تركيزاً: الصناعة التحويلية، الخدمات، الصحة.

  • القطاعات الأقل تركيزاً: البناء، العقار، الفنون والترفيه.

خاتمة صحفية
تقرير 2024 لمجلس المنافسة يؤكد أن المغرب يخطو بخطوات ثابتة نحو اقتصاد منافس ومنظم، يحمي المواطنين ويحفز الاستثمار. المجلس أثبت أنه قادر على التعامل مع الملفات الشائكة، ويفرض ضبطاً قانونياً حازماً، مع تقديم رؤى استشارية هادفة لتعزيز دينامية السوق الوطنية.