افتتاح ملعب الأمير مولاي عبد الله: إنجاز معماري… وفشل تنظيمي مهدّد للسلامة العامة

0
243

الإنجاز المعماري: شهد المغرب في الرباط إنجازًا مذهلاً في بناء وتجديد مركب مولاي عبد الله خلال 14 شهرًا فقط، ما جعله يعدّ من بين أفضل الملاعب قارياً، وواحدًا من المعالم التي لن تتأخر الاستضافة العالمية من الاستفادة منه. وقد انطلقت المباراة الرسمية الأولى للمنتخب المغربي أمام النيجر وسط حضور جماهيري ضخم، ما أعاد للبلاد فخرها بصروح رياضية تتماشى مع المعايير الدولية.

لكنّ المشهد الإعلامي المصاحب كان بائسًا: باهت الأداء في التحليل التلفزيوني، وضعف التغطية الإعلامية، بل طُرح وتساؤل ساخر: “هل حتى الإعلام خاصّو الوزير لقجع ولا الوالي اليعقوبي؟”

الحضور الجماهيري… فرحة اختنقها التنظيم السيء

رغم الفخر بالمعلم الجديد، انعكست الأزمة التنظيمية بحدة على أرض الواقع. آلاف الأنصار وجدوا أنفسهم محاصرين عند بوابات الدخول والخروج، لا تتجاوز ثلاث قناطر مهيّأة بشكل بدائي لحيز جماهيري هائل. الخلفية: ازدحام خانق، حالات إغماء وحالات اختناق وسط ضغط نفسي وجسدي، احتاج تدخل الفرق الطبية.




شهادات من أرض الملعب ومشاهد الفيديو المتداولة أظهرت مشاهد مؤلمة: مشجعون قضوا أكثر من ساعة حتى يتمكنوا من الخروج بعد نهاية المباراة، في مشهد أثار سخطًا شعبيًا واسعًا.

تضمن ذلك ضعف إشارات التوجيه، استخدام ممرات ضيقة، غياب تنسيق بين الأمن واللوجيستيك والجماهير.

أسباب فنية وتنظيمية في فشل إدارة الجموع

  1. فورة الطلب على التذاكر: بيعت جميعها في غضون ساعات معدودة، ما عمّق التوقعات العالية بحضور جماهيري غير مسبوق (حوالي 69 إلى 75 ألف متفرج).

  2. نظام جديد للدخول: رغم نشر فيديو توضيحي من الجامعة الملكية لكرة القدم، كان المنظّمون يطلبون استخدام التذاكر إلكترونيًا، مع المرور بخطوات متعددة – بوابة، بلوك، صف، ورقم المقعد – لكن عمليًا فشل هذا النظام في إدارة التدفق بدقة.

  3. المراجعات الأمنية بلغت حدّ التفتيش الخشونة: مع أن والي الرباط والسلطات قاموا بتفقد شامل للمركز الإعلامي والبنايات، وتفعيل كاميرات ذكية، فإن الحماية المدنية وفرق الشرطة لم تنجح في تأمين تكييف دخول وخروج الجماهير بثبات.

  4. ضعف التأطير والإرشاد: رغم إعلان مسبق بشأن أربعة ساعات كفترة مفتوحة لدخول الجمهور، إلا أن التنظيم في الواقع بدا مفككًا، ما جعل بعض الجماهير تدخل داخل المباراة بدون مكان أو دليل واضح.

إنجازات… لكن بأي ثمن؟

حقق المغرب إنجازًا يتفوق بل ويضاهي تجارب دول عرفت بسرعة بناء ملاعب ضخمة. وصف الفيفا الملعب بأنه “من أجمل التحف المعمارية على الكوكب”. وكل ذلك في زمن قياسي يُقيّم بـ14 شهرًا، والملعب جزء من محطة لا تقتصر على أفريقيا 2025 فقط بل تتحضّر لكأس العالم 2030.

إلا أن أزمة تسيير الجماهير أوضحت أن الكارثة التنظيمية ممكن أن تحول “الفرحة الوطنية” إلى تهديد حقيقي لسلامة آلاف المشجعين.




لماذا نرى هذا الفشل… رغم كل التحضير؟

  • تناقض في الأولويات: بينما بُني الملعب بسرعة فائقة بغلاف مالي ضخم، شهد القطاع الصحي تأخير مشروع مستشفى ابن سينا كأولوية حيوية للمواطنين.

  • انعدام سيناريوهات واضحة لإدارة الحشود: الاعتماد المفرط على البوابات الإلكترونية، دون مسارات آمنة تدحرج الجمهور عند الذروة.

  • غياب تجربة حقيقية: رغم تكرار التجهيز للكان وللعودة التاريخية للمركب، كانت هذه المباراة اختبارًا عمليًا، لكن بلا توجيه ميداني واعٍ.

  • تضخيماً إعلاميًّا ولكن دون فعالية حقيقية: الاستثمار في التغطية والتحليل الإعلامي لم يواكب الحجم التنظيمي والحضوري.

تدابير عاجلة مطلوبة قبل تحول المسرح إلى مأساة

  • إعادة هيكلة مخطط الدخول والخروج، إنشاء ممرات واسعة ومسارات مستقلة مؤمنة لكل بوابة.

  • توسيع عدد مداخل ومخارج تفادياً للازدحام عند النهاية.

  • تعزيز العنصر البشري: توظيف منسقين ومدرّبين، فرق طبية مرابطة قرب البوابات.

  • تحليل دروس مسبقة: استلهام تجارب دولية، خاصة في إدارة ملاعب جماهيرية ضخمة.

  • ضغط إعلامي شعبي لتفاعل الجهات الرسمية وتصحيح المسارات قبل فوات الأوان.

خاتمة

إنجاز مركب مولاي عبد الله هو فخر عمومي، لكن دون تنظيم جماهيري مدروس، يمكن أن تتحول المعجزة إلى كارثة. البداية الاحتفالية لهذه المعلمة الجديدة كانت مذهلة… ثم فُجّر صخب الجماهير المختنقة بأسئلة: هل يستحق المغربي هذا الإنجاز إذا كان يُفقده سلامته من أجل الدخول والخروج؟

الرسم المعماري لملعب العالم يأتي بشروط: يجب أن يُصاحبه تنظيم حضاري يليق بحجم الحلم الوطني. وإلا، سنكون أمام ملعب لا يستضيف إلا الكارثة.

هذا التقرير يستند إلى شهادات عيان، تسجيلات فيديو، وتحليلٍ لمدى تطابق التوقعات مع الواقع، ودعوة نحو إصلاح حقيقي يبقى ملحًا قبل كأنّ الأفراح الكبرى تُكلّل بخسائر بشرية.