في افتتاح الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، لم يتردد المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في استعمال كلمات غير معهودة داخل الأروقة الأممية، حين وصف قطاع غزة بأنه تحول إلى “مقبرة” بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، محذرًا من “خطاب الإبادة” العلني الصادر عن مسؤولين إسرائيليين كبار، وداعيًا إلى تحرك دولي عاجل “لإنهاء المذبحة”.
شهادة أممية غير مسبوقة
تصريحات تورك شكلت منعطفًا لافتًا في الخطاب الأممي، إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على لغة دبلوماسية غامضة أو دعوات فضفاضة لوقف إطلاق النار، بل تعداها إلى توصيف مباشر لما يجري بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. والأخطر أنه حذّر من تزايد الأدلة التي قد تُثبّت مسؤولية إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
القانون الدولي في مواجهة العجز السياسي
إن إدراج مصطلحات مثل “الإبادة” و”نزع صفة البشر” في خطاب أممي رسمي، يعكس عمق الانزلاق القانوني والأخلاقي الذي بلغه الاحتلال الإسرائيلي في حربه ضد غزة. لكن المفارقة الصارخة تظل قائمة: إذا كان مجلس حقوق الإنسان يعترف بهذه الحقائق المروعة، فأين الفعل السياسي؟ وأين إرادة المجتمع الدولي في وقف شلال الدم؟
غزة بين الإبادة والخذلان
المشهد الإنساني لا يحتاج إلى مزيد من الشهادات: آلاف الضحايا المدنيين، انهيار كامل للبنية التحتية، حصار خانق يعرقل وصول المساعدات، وجرح مفتوح على ضمير العالم. ومع ذلك، ما تزال المؤسسات الدولية عاجزة، مشلولة أمام الضغوط السياسية والفيتو الغربي الذي يحوّل القرارات إلى بيانات بلا أثر.
خاتمة: التاريخ يسجل
ستبقى هذه المرحلة شاهدًا على تناقض مرير: الأمم المتحدة توثق وتصرّح وتشهد، لكن دون أن تمتلك القدرة على وقف المذبحة. وهكذا تتحول غزة إلى مقبرة العصر الحديث، لا فقط بأفعال القصف، بل أيضًا بصمت المؤسسات الدولية التي تساوي بين الشهادة بلا فعل والتواطؤ.