“حصيلة مثقلة بالوعود وشارع غاضب: أوزين والحركة الشعبية يرفعان الرهان في مواجهة تراجع شعبية الأحرار قبل حكومة المونديال”

0
163

مع انقضاء العطلة الصيفية وبدء العد التنازلي لانطلاق الدورة السياسية الخريفية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام سنة استثنائية هي الأخيرة في عمر الولاية الحالية قبل موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026. يراهن كثيرون على أن هذه الانتخابات ستفرز ما صار يُصطلح عليه في الكواليس السياسية بـ”حكومة المونديال”، وهو توصيف يعكس الرهانات الكبرى المحيطة بالاستحقاق المقبل، في ظل ترقب داخلي وخارجي لما ستسفر عنه النتائج من توازنات جديدة على رأس السلطة التنفيذية، وما إذا كان حزب التجمع الوطني للأحرار سيتمكن من الحفاظ على موقعه القيادي أو سيتراجع لصالح منافسيه بعد فقدانه جزءًا من شعبيته.

ويحمل الدخول السياسي لهذه السنة أكثر من مجرد عودة إلى قبة البرلمان أو عقد المجالس الحكومية الدورية، إذ يمكن اعتباره بمثابة معركة تمهيدية مفتوحة، ستشكل فيها ملفات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وقضايا التعليم والصحة والشغل، أوراق ضغط أساسية ستستثمر بعناية من طرف مكونات الأغلبية والمعارضة على حد سواء، خصوصًا في ظل الإعداد للانتخابات المقبلة تحت إشراف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت وبتوجيه ملكي، ما يجعل النقاش العمومي حول حصيلة الحكومة وتقييم أدائها أكثر سخونة.

رهانات الأغلبية والمعارضة

في قلب هذه المعادلة، يقف “حزب الحمامة” بقيادة عزيز أخنوش مدفوعًا برغبة جامحة في تأمين ولاية ثانية تمكنه من تثبيت مشروعه السياسي والاقتصادي، بينما يترقب حليفه حزب الأصالة والمعاصرة بقيادة فاطمة الزهراء المنصوري فرصته للانقضاض على الصدارة، مستفيدًا من شبكة نفوذ محلية وإقليمية لا يُستهان بها. أما حزب الاستقلال، بزعامة نزار بركة، فيسعى لاستعادة موقعه التقليدي في قيادة السلطة التنفيذية، معولًا على رصيد رمزي وتاريخي وخطاب نقدي موجّه إلى ما يعتبره إخفاقات الأغلبية الحالية.

الحركة الشعبية: رهانات جديدة تحت قيادة محمد أوزين
مع تسلم الأمين العام الجديد محمد أوزين زمام المبادرة داخل حزب الحركة الشعبية، يبدو الحزب عازمًا على إعادة رسم موقعه على الخريطة السياسية الوطنية. بخبرة طويلة في إدارة التحالفات السياسية المتقلبة، يسعى أوزين إلى استثمار قاعدة الحزب في العالم القروي والجبلي، مع التركيز على شرائح الناخبين الذين لم تُلبَّ مطالبهم خلال السنوات الماضية. ومن المتوقع أن تقدم الحركة الشعبية خلال هذه المرحلة مفاجآت قد تغير بعض موازين القوى في الانتخابات المقبلة، سواء من خلال تحالفات استراتيجية أو برامج انتخابية مبتكرة، ما يجعلها طرفًا لا يُستهان به في أي هندسة حكومية مقبلة، ويزيد من حرارة المنافسة في سباق ما يُعرف بـ”حكومة المونديال”.

أما المعارضة، فلا تُخفي بدورها رغبتها في قلب موازين المشهد السياسي خلال الاستحقاقات المقبلة. حزب العدالة والتنمية يسعى إلى إعادة ترتيب صفوفه واستثمار موجة النقد الشعبي للحكومة الحالية للعودة إلى واجهة المنافسة واستعادة موقعه كقوة انتخابية مؤثرة. وحزب التقدم والاشتراكية يستثمر حضوره البرلماني وخطابه النقدي حول قضايا المعيشة والحماية الاجتماعية ليقدّم نفسه كبديل يساري عقلاني، بينما يسعى حزب الحركة الشعبية إلى توسيع قاعدته وتقديم نفسه طرفًا وازنًا في أي هندسة حكومية مقبلة، مدفوعًا بطموح العودة إلى الصدارة في زمن “حكومة المونديال”.

الدخول السياسي: سباق طويل النفس

هكذا، يغدو الدخول السياسي الجديد أشبه بسباق ماراثوني طويل النفس، حيث يسعى كل طرف إلى استمالة الناخبين وتعبئة قواعده في مواجهة منافسين أشداء، ولعل ما يميز هذه المرحلة أن الخطوط الفاصلة بين الإنجاز الحكومي والعمل الانتخابي أضحت ضبابية، إذ لم يعد ممكنًا الفصل بين السياسات العمومية الجارية ورهانات صناديق الاقتراع المقبلة. لذلك، يبدو أن هذه السنة ستكون الأكثر سخونة في عمر الولاية، ليس فقط لأنها تُختتم على وقع التقييم والمحاسبة، بل لأنها تشكل جسرًا مباشراً نحو انتخابات يُنتظر أن تكون من بين الأكثر إثارة منذ عقدين.

سنة الرهانات الاستراتيجية

يرى محمد جبور، أستاذ العلوم السياسية والمحلل المتخصص في الشأن البرلماني، أن الدخول السياسي الجديد لا يمكن النظر إليه كمرحلة عادية، وإنما بوصفه لحظة مفصلية تحمل إرهاصات التحولات القادمة.
ويقول جبور في تصريحه لـ”الصحيفة”: “السنة الأخيرة من الولاية الحكومية الحالية هي معبر حاسم نحو انتخابات 2026، حيث تختلط الحسابات السياسية بالرهانات الاستراتيجية. الأغلبية، بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، مطالبة بالدفاع عن حصيلة خمس سنوات من التدبير في ظروف اقتصادية واجتماعية استثنائية، بينما المعارضة تدرك أن ميزان القوى قد يتبدل إذا أحسنت استثمار لحظة الغضب الشعبي وتنامي التذمر من السياسات العمومية.”

ويضيف جبور أن ما يزيد من أهمية الاستحقاق المقبل هو ارتباطه بما يسميه “رهان الصورة الدولية”: “نحن مقبلون على تنظيم كأس العالم 2030، وهذا يعني أن الحكومة المقبلة لن تكون مجرد فريق سياسي منتخب، بل حكومة بواجهة دولية، مطالبة بتأمين الاستقرار السياسي والاجتماعي وضمان إنجاح حدث عالمي يضع المغرب تحت مجهر الإعلام والرأي العام الدولي.”

عام المكاشفة مع الشارع

يذهب المحلل السياسي إدريس الكرماوي إلى حد وصف السنة الأخيرة من ولاية حكومة أخنوش بأنها “عام المكاشفة مع الشارع”، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تفِ بالوعود الانتخابية، على رأسها خلق مليون منصب شغل، خفض أسعار المحروقات، وإصلاح التعليم. ويضيف الكرماوي: “المواطن المغربي واجه واحدة من أقسى موجات الغلاء في العقدين الأخيرين، حيث تجاوز سعر الغازوال 15 درهما للتر وارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل غير مسبوق، بينما ظل دخل الأسر راكداً. في ظل هذه المعطيات، لا يمكن الحديث عن نجاح حكومي بل عن إخفاق في صميم ما انتخب عليه حزب التجمع الوطني للأحرار.”

ويختم الكرماوي قائلاً: “إن ما يميز هذه الولاية هو اتساع الهوة بين خطاب الإنجاز الحكومي والواقع الملموس. انتخابات 2026 لن تكون مجرد منافسة سياسية بين أحزاب، بل استفتاء شعبي على حصيلة خمس سنوات من التدبير، وهي حصيلة تضع حكومة أخنوش في موقع دفاعي صعب وتجعلها أقرب إلى حكومة فقدت ثقة جزء كبير من الشارع.”