مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية المقبلة لسنة 2026، عاد النقاش حول إصلاح المنظومة الانتخابية ليطفو على سطح المشهد السياسي المغربي. فقد وجهت وزارة الداخلية دعوة إلى الأحزاب لإعداد مذكراتها واقتراحاتها، ما فتح الباب أمام سجال واسع حول رهانات المرحلة، بين تعزيز ثقة المواطن وتوسيع المشاركة من جهة، وضمان عدالة التمثيل وشفافية العملية من جهة أخرى.
غير أن المتأمل في المذكرات الحزبية يلمس تبايناً في المقاربات. الأحزاب الوطنية الكبرى – من الاستقلال إلى العدالة والتنمية مرورا بالتقدم والاشتراكية والأصالة والمعاصرة – ركزت في معظمها على تعديلات تقنية، مثل تحسين التقطيع الانتخابي، مراجعة اللوائح، تعزيز مشاركة النساء والشباب، أو تشديد الرقابة على المال الانتخابي. وهي مقترحات مهمة، لكنها تبقى في نظر عدد من الباحثين السياسيين رهينة للمدخل التقني أكثر من المدخل السياسي والإستراتيجي.
في المقابل، قدّم حزب الحركة الشعبية، المتموقع في المعارضة، مذكرة مغايرة نسبياً في روحها، إذ لم يكتف بطرح تعديلات إجرائية، بل حاول الدفع برؤية أوسع تمسّ جوهر العلاقة بين النائب البرلماني ووظيفته التشريعية. فقد شدّد “رفاق أوزين” على أن “عهد السوبرمان قد انتهى”، في إشارة إلى ضرورة توسيع حالات التنافي ومنع الجمع بين النيابة البرلمانية ورئاسة الجماعات الترابية. هذه النقطة، وإن بدت تقنية، تحمل بعداً سياسياً واضحاً يهدف إلى إعادة الاعتبار لمكانة البرلمان وتعزيز فعاليته التشريعية.
إلى جانب ذلك، رفض الحركيون مقترحات رفع عدد مقاعد مجلس النواب، معتبرين أن النقاش الحقيقي ليس في الكمّ بل في الكيف. وفي الوقت الذي طالبت فيه بعض الأحزاب بتوسيع “الكوطا” النسائية أو رفع نسبتها، تمسكت الحركة الشعبية بالحفاظ على 90 مقعداً كحق مكتسب، لكنها أضافت بعداً عملياً يتمثل في تشجيع ترشيح النساء والشباب في اللوائح المحلية، أي الانتقال من منطق الامتياز المضمون إلى منطق المشاركة التنافسية.
أما على مستوى التقطيع الانتخابي، فقد دعت الحركة الشعبية إلى اعتماد التجميع الترابي داخل الأقاليم، بدلاً من التقسيم المبعثر الذي يعزز هيمنة لون حزبي واحد على المقاعد. وهو طرح مختلف عن مذكرات أخرى ركزت على العدالة التمثيلية دون أن تقدم بديلاً عملياً واضحاً.
النقطة المشتركة تقريباً بين جميع الأحزاب تبقى الشفافية المالية ومحاربة المال السياسي. غير أن الحركة الشعبية ربطت هذا المطلب بمراجعة شاملة لكل النصوص المتعلقة بمالية الأحزاب والإعلام العمومي، معتبرة أن الإصلاح الانتخابي لا يمكن أن ينجح بدون إصلاحات موازية في القوانين المنظمة للأحزاب والاتصال السمعي البصري. وهنا يظهر الفرق الجوهري بين خطابها وباقي التنظيمات التي اكتفت بتحميل وزارة الداخلية أو المجلس الأعلى للحسابات أعباء المراقبة.
الحركة الشعبية ترفع رهانات الإصلاح الانتخابي: نهاية عهد “السوبرمان” ودعوة لتوسيع حالات التنافي
تحليل الباحثين السياسيين، من قبيل عبد الغني السرار أو إسماعيل حمودي، يبرز أن المدخل السياسي هو الأساس لضمان نزاهة الانتخابات، أي حياد الدولة، مسؤولية الأحزاب، ودور القضاء الانتخابي. لكن المذكرات – باستثناء مذكرة الحركة الشعبية – بقيت حبيسة لغة تقنية جزئية. فبينما اكتفت الأحزاب الأخرى بالدعوة إلى مراجعة اللوائح أو رفع النسب، حاولت الحركة الشعبية أن تطرح سؤال “جودة التمثيل” و”ترشيد الأدوار”، وهو نقاش يلامس صميم أزمة السياسة بالمغرب.
من هنا يمكن القول إن الرهانات والتحديات مختلفة:
-
عند معظم الأحزاب، الهدف هو تحسين الإجراءات وتجويد النصوص.
-
أما عند الحركة الشعبية، فالرهان هو إعادة تعريف وظيفة البرلماني وتعزيز مصداقية المؤسسة التشريعية.