“منح التكوين المهني بين الإنجاز البنكي والبطالة المزمنة: هل الحكومة تعيد اختراع العجلة أم تقدم إصلاحًا حقيقيًا؟”

0
114
صورة : موقع الأصالة والمعاصرة

في خطوة استراتيجية، أعلنت وزارة الإدماج الاقتصادي والتشغيل والتكوين المهني عن إطلاق نظام جديد لصرف منح متدربي التكوين المهني، بالتعاون مع البريد بنك ووزارة المالية. يهدف هذا النظام إلى تسريع صرف المنح وضمان الشفافية والأمان، خاصة في المناطق النائية. وقد تم تخصيص ميزانية تصل إلى 150 مليون درهم، مع زيادة عدد المستفيدين من 35,000 إلى 100,000 متدرب بحلول نهاية 2025 .

ومع ذلك، تبرز تساؤلات مشروعة حول جدوى هذه الخطوة، خاصة في ظل وجود تجربة مصرفية قائمة أثبتت فعاليتها منذ سنوات: تجربة CIH Bank. قبل ما يقارب عقدًا من الزمن، بادر CIH Bank إلى إطلاق باقات شبابية مبتكرة مثل Code 30 وCode 18، موجهة خصيصًا للطلبة والشباب، تقوم على أساس فتح حسابات مجانية دون رصيد أو رسوم. هذه المبادرة لم تكن مجرد حملة تسويقية، بل خطوة عملية لإدماج جيل كامل من الشباب في المنظومة البنكية، بما وفّر لهم أول احتكاك مباشر بعالم المال والخدمات الرقمية .

لقد نجح البنك في استقطاب آلاف الطلبة والمتدربين، وساهم بذلك في رفع نسبة الشمول المالي لدى الشباب، وهو ما كانت تقارير وطنية ودولية قد أشادت به. إلا أن الوزارة اختارت التعاون مع البريد بنك، مما يثير تساؤلات حول غياب التنسيق بين المؤسسات الحكومية والقطاع البنكي. هل كان من الأفضل تعزيز تجربة CIH Bank بدلاً من إعادة اختراع العجلة؟

رغم هذه المبادرات البنكية، يبقى السؤال الأعمق والأكثر إلحاحًا: ماذا بعد الحسابات البنكية والمنح؟ فالمعطيات الرسمية تكشف أن ملايين من خريجي التكوين المهني على امتداد سنوات ما زالوا يواجهون صعوبة في الاندماج في سوق الشغل. وحتى الأرقام التي تتحدث عن نسب إدماج تصل إلى 70% أو 80% بعد ثلاث سنوات من التخرج، لا تخفي أن نسبة معتبرة من الشباب ما زالت عاطلة أو تشتغل في ظروف هشّة.

إن صرف المنح في آجالها خطوة مهمة، لكنها ليست كافية. المطلوب اليوم هو:

  • تقييم البرامج السابقة مثل تجربة CIH Bank بدل تجاهلها.

  • التنسيق بين الفاعلين الحكوميين والبنكيين لضمان تكامل الجهود.

  • ربط الدعم المالي بالتشغيل الفعلي، لأن حسابًا بنكيًا دون أفق مهني يبقى إجراءً ناقصًا.

الرهان الحقيقي ليس في اختيار هذا البنك أو ذاك، بل في بناء سياسة مندمجة تجعل من التكوين المهني رافعة فعلية للتشغيل والإدماج الاجتماعي. وما لم يتحقق هذا التناغم، ستظل المبادرات المتتالية مجرّد أوراش متفرقة تستهلك الموارد دون أن تعالج جوهر الإشكال: شباب يخرج من مراكز التكوين بالملايين… ليجد نفسه في مواجهة البطالة.