بين الخطاب والواقع: ماذا وراء تصريحات أخنوش؟

0
193

في لقاءه التلفزي “لقاء خاص” بالقناتين الأولى والثانية، قدّم رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، صورة لحكومته بأنها “أغلبية متماسكة” و”تجربة مثالية”، تشتغل “بجدية وفي إطار أجندة واضحة”. كلام من هذا النوع يزخر بالدلالات، خصوصاً في سياق سياسي مقبل (انتخابات 2026)، في بلد يعرفُ حجماً من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ومعارضة تنتقد عدة جوانب من أداء الحكومة. لفهم عُمق هذا الخطاب، لا بد من تفكيكه إلى محاور: ما الذي يطمح أخنوش إلى إبرازه؟ ما الذي يخفيه أو يتهرّب منه؟ وما ردّود المعارضة؟

المحاور التي برزت في الخطاب

  1. تماسك الأغلبية والحكومية / التمييز بين العمل الحكومي والعمل الحزبي
    أخنوش يحرص أن يُظهر أن هناك فصلًا بين “أجندة الحكومة” وبين “الحياة الحزبية” التي تتيح هامشًا من الاختلاف، لكنه يؤكّد كذلك أن الحكومة تعمل بوضوح واجراءات واضحة.

  2. العمل حتى آخر دقيقة / استكمال الأوراش الكبرى
    أكد أن لا وقت يُهدر، وأن الحكومة ستُكمل المشاريع الكبرى (الصحة، التعليم، الحماية الاجتماعية، الماء، الفلاحة، الاستثمارات…) حتى نهاية الولاية.

  3. الإشراف على الانتخابات / دور وزارة الداخلية
    عبّر أخنوش عن رضاه بأن وزارة الداخلية هي التي تُشرف على الانتخابات التشريعية المقبلة، مؤكّداً أن ذلك أمر إيجابي، وأن مختلف الأحزاب قد بادرت إلى تقديم مذكراتها حول المنظومة المُؤطرة للانتخابات.

  4. النجاحات الحكومية / الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية
    من برامج الماء، والعدالة المجالية، وتحسين الموارد المالية للدولة، والحوار الاجتماعي، والدعم المدرسي، وتخفيف أثمان بعض المواد الفلاحية أو الزيتون، إلى الإشادة بسرعة التدخل بعد الزلزال وغيرها.

مواقف المعارضة وما ينبغي البحث عنه

المعارضة لم تكتفِ بالاستماع؛ بل أثارت ملاحظات ومطالبات، ويكفي استعراض بعض ما هو معروف عبر المنابر الإعلامية:

  • انتقادات حول شفافية الصفقات الكبرى، مثل محطة تحلية المياه في الدار البيضاء، حيث صُرّح أن مشروعًا مرتبطًا بشركة بمعرفة أو ارتباطات يُشكّ فيها. هذه الادّعاءات تستدعي تحقيقًا مستقلًا.

  • اتهامات الحكومة بأنها “تُهمش البرلمان” و”تُحتقر المعارضة”، خصوصًا فيما يخصّ معالجة قضايا مثل طلبة الطب والصيدلة، حيث انسحبت المعارضة من جلسات برلمانية بسبب ما اعتُبر رفضًا من الحكومة للاستجابة لطلبات طرح الموضوع في البرلمان تحت طائل المادة 152 من النظام الداخلي.

  • دراسات واستطلاعات رأي تُظهر تراجعاً في الثقة الحكومية بين المواطنين، رغم بعض المؤشرات المالية والاقتصادية التي يقدّمها أخنوش.

الأسئلة النقدية التي ينبغي طرحها

  • ما هي المؤشرات الكمية الحقيقية للمواطن العادي؟
    أخنوش يتحدّث عن “إنجازات” وتنمية، لكن السؤال: هل هذه التقدمات محسوسة في حياة المواطنين؟ هل تحققت الوعود على الأرض؟ كم مواطنًا استفاد من الحماية الاجتماعية؟ كم تغّير وضع المياه أو البنية التحتية في المناطق المهمشة؟

  • كيف تُدار الانتخابات من الناحية القانونية؟
    تكليف وزارة الداخلية بالإشراف على الانتخابات أمر يُقدّر إيجابيًا، لكن ما هي الضمانات التي تُقدّمها الحكومة للتأكد من نزاهتها؟ ما هي المعايير التي ستُستخدم؟ ما هو دور الأحزاب المعارضة في مراقبة العملية؟ هل هناك عقل زمني كافٍ لإدخال التعديلات القانونية المطلوبة؟

  • ما مدى شفافية الصفقات والمشاريع الكبرى؟
    المشاريع مثل محطة تحلية المياه تُثير شبهة تضارب مصالح، إذ يُذكر أن شركة يملكها أو يشارك فيها شخص مقرّب للحكومة فازت بالصفقة، ما يستدعي تحقيقًا مستقلًا ومُفصّلاً عن شروط العقد، المعايير الفنية، الأسعار، والمنافع العامة المتوقعة، وكذلك المخاطر المالية المرتبطة بها.

  • كيف تُعامل الحكومة المعارضين وبرلمانياً؟
    الانسحاب البرلماني أو رفض الحكومة حضور وزراء لمناقشة قضايا ملحّة يُثير علامات استفهام حول مدى احترامها للدور الرقابي للبرلمان والمجال الدستوري للمعارضة. ما هي الممارسات التي تستخدمها المعارضة لتفعيل المادة 152؟ ولماذا تُرفَض أحيانًا طلباتها؟

  • الإرث المالي: كيف تُدار الموارد؟
    رقم أخنوش بأن موارد الدولة العادية انتقلت من 229 مليار درهم في 2020 إلى متوقع 427.4 مليار درهم “في السنة المقبلة” يُعدّ رقماً ملفتاً. لكن ما هي مصادر هذا الارتفاع؟ هل هو من زيادة الضرائب؟ تحسين الإدارات الجبائية؟ تقليل الهدر؟ ما هي التدابير المصاحبة لضمان أن هذه الموارد تُستثمر فعلاً؟

تحليل المعطيات: بين ما يُقال وما يُظهر الواقع

  • إن تصوير الحكومة بأنها “تجربة مثالية” ربما يهدف إلى تعزيز الثقة الداخلية وضمان استقرار سياسي قبيل الانتخابات. لكنه قد يُثير ردود فعل من المعارضة أو المواطن الذي لا يشعر بالتحوّل في الخدمات اليومية.

  • التزام أخنوش بـ “عدم هدر الزمن الحكومي” هو رسالة تُخاطب الناخبين: إن لم يقدّم اختلافًا جذريًا، فليُقدّم رابطًا بين الخطاب والنتائج الملموسة.

  • فيما يخص إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، هناك فرق بين الإشراف الفني والتنسيق الإداري، وبين التدخّل السياسي الفعلي، وهو ما يخشى منه البعض؛ وبهذا الصدد، فإن كل تغيير قانوني أو تنظيمي يجب أن يكون متاح النقاش عليه علنًا.

  • الإنجازات الحكومية في مجالات مثل الماء، الزلزال، الموارد المالية تُظهِر قدرة على الإدارة في سياق مضاعف من التحديات (تغيرات مناخية، آثار اقتصادية عالمية، أزمات داخلية). لكن بعضها لم يزل “في طور الإنجاز”، ما يعني أن التقييم النهائي لا يكون إلا بعد التنفيذ الكامل، وهو ما قد يتخلّفه التأخيرات أو العراقيل.

الجدل الدائم: المعارضة والتحدي السياسي

المعارضة، إما أحزابًا مثل العدالة والتنمية، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، الحركة الشعبية وغيرها، تُكرّر ملاحظاتها:

  • أن الحكومة تُفضّل البُعد التنفيذي على المساءلة البرلمانية، مما يضعف دور المؤسسات التشريعية.

  • أن تصريحات مثل “أغلبية متماسكة” و”تجربة مثالية” تُخفي أحيانًا تباينات فعلية داخل الأغلبية، أو اختلافات حزبية غير معلنة.

  • القلق من أن الانتخابات القادمة تُستخدم في خطاب “حزب التجمع الوطني للأحرار” ليس فقط لكسب الشرعية، بل للتموقع السياسي ولتحقيق مكاسب انتخابية، بدل التركيز فقط على الخدمات العامة والتحسين المعيشي.

الخلاصة: ما الذي يمكن أن ينتصر به أخنوش – وما الذي ينبغي أن يُحذّر منه

ما يمكن أن ينتصر به:

  • إذا تمكن من ترجمة خطابه إلى إجراءات ملموسة تُحسّ في البنيات التحتية، المياه، الصحة، التعليم، والحماية الاجتماعية، فستكون له كسب ثقة واسعة، خصوصًا بين الفئات المتوسطة والمهمشة.

  • إذا أدار الملف الانتخابي بشفافية، وأحدث ضوابط قوية للإشراف والمراقبة، فإن ذلك سيمنحه مصداقية كبيرة قبيل 2026.

  • الإستمرار في ضبط الموارد المالية للدولة وزيادتها، مع محاربة الهدر، والتحكم في الدين، سيُحسب له، سواء داخليًا أو أمام المستثمرين والدائنين.

ما الذي ينبغي أن يَحذر منه أو يتجنّبه:

  • الإفراط في الخطاب التسويقي دون توفير أدلة محسوسة على الأرض. الفشل في مواكبة التوقعات الكبيرة يمكن أن يؤدي إلى تراجع شعبي قوي.

  • إهمال دور البرلمان والمعارضة في الرقابة والمساءلة؛ إذا استمر العزل النسبي للمعارضة، قد يتعثّر التعاون السياسي وقد يُستغَل هذا الأمر دولياً.

  • تحديات التنفيذ: البيروقراطية، التمويل، الشفافية، مقاومة مصالح محلية أو إدارية، كلها عوامل قد تؤخّر أو تُضعف المشاريع الكبرى، مما يفتح الباب للنقد والتشكيك.

إذاً، إن تصريحات أخنوش تمثّل محاولة لإعادة ضبط الخطاب السياسي، وتأكيد الاستمرارية، والاستعداد للمرحلة القادمة، مع حقائب من الآمال والتحديات. أما المعيار الحقيقي فلن يكون الكلمات، بل النتائج الملموسة والتفاعل الديمقراطي الحقيقي مع المعارضة والمواطنين.