في ظل نقاش حاد حول وضعية المقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة بالمغرب، خرجت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح لتؤكد أن هذه الفئة حصلت خلال سنة 2024 على 32% من مجموع الصفقات العمومية، متجاوزة بذلك الحصة القانونية المقررة بـ20%. ومع ذلك، لم تضع هذه التصريحات حدًا للجدل، إذ تصر الهيئات التمثيلية للمقاولات على أن هذه الأرقام “تجميلية” ولا تعكس معاناتها اليومية من الإفلاسات، والحجوزات، وتأخر الأداء.
المقاولات الصغيرة: العمود الفقري للاقتصاد الوطني تحت الضغط
تشكل هذه المقاولات أكثر من 90% من النسيج الاقتصادي الوطني، ويُفترض أن تكون محور التنمية المحلية وصمام أمان للتشغيل.
إلا أن سلسلة الأزمات المتلاحقة، من جائحة كورونا إلى موجات الجفاف وارتفاع التضخم، جعلت آلاف المقاولات تنهار، تاركة خلفها قصصًا مأساوية عن فقدان الوظائف، وإغلاق محلات، وتعليق مشاريع كانت مصدر رزق لآلاف الأسر.
الواقع الميداني يكشف فجوة كبيرة بين خطاب الحكومة والأرقام الرسمية، إذ ما زالت المقاولات تواجه صعوبات هيكلية ومالية تهدد بقائها، مما يطرح أسئلة جوهرية حول مدى فعالية السياسات الحكومية في دعم هذه الفئة الحيوية.
التمويل: الحلقة الأضعف
أبرز التحديات التي تواجه المقاولات الصغيرة والمتوسطة هو الوصول إلى التمويل.
البنوك التجارية ترفض التمويل بحجة المخاطر المرتفعة، ما يخلق حلقة مفرغة: تحتاج المقاولة للتمويل للنمو، لكنها لا تحصل عليه لأنها صغيرة وهشة، فتظل رهينة أزمتها إلى أن تسقط في شبح الإفلاس.
الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة حملت الحكومة مسؤولية الوضع، مشيرة إلى غياب بنك وطني متخصص لدعم هذه الفئة، معتمدة على تجاوز البنوك التقليدية في تمويل المشاريع الصغيرة.
الإصلاحات القانونية وآليات التنفيذ
ينص مرسوم 20 مارس 2013 (2-12-349) على تخصيص 20% من الصفقات العمومية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن التطبيق العملي ظل ضعيفًا، رغم مرسوم 2-22-431 (مارس 2023) الذي سعى لتعزيز الشفافية وتيسير المشاركة.
كما مثّل قانون 69-21 (يونيو 2023) خطوة إيجابية لضبط آجال الأداء، إلا أن فعالية هذه الإجراءات ما زالت في مرحلة التجربة، بينما تعاني الدورة النقدية للمقاولات من اختناق مستمر.
أدوات التمويل البديلة
حاولت الحكومة دعم المقاولات عبر مبادرات عدة:
-
صندوق “إينوف إنفيست”: برأسمال 500 مليون درهم منذ 2017 لدعم الشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة.
-
تمويل عبر الضمان العمومي، والتمويل التشاركي، والتمويل الإسلامي، وصناديق الابتكار.
رغم فائدتها، هذه الأدوات لا تغطي احتياجات السوق التقليدية التي تمثل الغالبية العظمى من المقاولات، ما يجعلها تكميليّة أكثر من كونها علاجًا شاملًا لأزمة السيولة.
مقارنة مع تجارب دول مغاربية وأفريقية
تونس
أطلقت تونس “قانون الشركات الناشئة” (Startup Act) 2018، مع حوافز ضريبية وتسهيلات إدارية، ومشروعًا بقيمة 120 مليون دولار لدعم الوصول إلى التمويل.
الجزائر
تدعم الجزائر قطاع المقاولات الصغيرة والمتوسطة من خلال وكالة دعم وتنمية المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير مشاريع في الاقتصاد الدائري.
دول أفريقية أخرى
في أنغولا ودول أفريقية أخرى، تم تطوير استراتيجيات وطنية لتعزيز ريادة الأعمال وتحسين الوصول إلى التمويل عبر برامج تمويل مختلطة، بهدف تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
التحديات المشتركة تشمل صعوبة الوصول إلى التمويل، بيروقراطية مفرطة، ونقص البرامج التدريبية للمقاولين.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية
-
حالات التعثر القضائي ارتفعت من 14,245 في 2023 إلى 15,658 في 2024.
-
أسباب التعثر تشمل تضخمًا يأكل رأس المال، مواسم جفاف تقلص السيولة، وتأخر الأداء الذي ينقل الأزمة كسلسلة دومينو بين المقاولات.
-
على مستوى الطلب العمومي، لا يكفي نص الـ20% بل يتطلب آليات تنفيذ فعّالة لتحويل النص القانوني إلى واقع ملموس.
الأسئلة الجوهرية
-
هل تعكس نسبة 32% من الصفقات العمومية الواقع الفعلي للمقاولات الصغيرة والمتوسطة؟
-
ما هي الإجراءات العملية لقانون المالية 2026 لدعم هذه الفئة الحيوية؟
-
كيف يمكن تفعيل مرسوم 2-22-431 بآليات قياس دقيقة وشفافة؟
-
هل هناك خطة لإنشاء بنك وطني متخصص لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة؟
-
ما الخطوات العملية لتقليص آجال الأداء وضمان فعالية التمويل؟
التوصيات العملية لمجلس النواب والحكومة
-
إنشاء بنك وطني متخصص: لتوفير تمويل أساسي بشروط ميسرة ويعفي من الضمانات العينية.
-
تفعيل قانون آجال الأداء: مع آليات رصد ومتابعة فعّالة.
-
تبسيط الإجراءات الإدارية: لتسهيل الحصول على التراخيص والاعتمادات.
-
تطوير برامج تدريبية: لتأهيل المقاولين في الإدارة، التسويق، والتمويل.
-
دعم الابتكار والتحول الرقمي: تقديم حوافز ودعم فني للمقاولات.
توصيات صحفية وتحليلية
-
تعزيز الشفافية: نشر لوحات قيادة تبين توزيع الصفقات حسب القطاعات والجهات.
-
تسريع التمويل: تطوير قنوات تمويل مرنة تتماشى مع دورة المقاولات التشغيلية.
-
تفعيل القوانين والمراسيم: ضمان التطبيق الفعلي للمرسوم 2-22-431 وقانون 69-21.