سفيان البقالي: “فضية طوكيو” بين الإنجاز المفترض والإخفاق المفاجئ

0
191
صورة: أ.ف.ب

في مشهد رياضي مليء بالإثارة، أحرز العداء المغربي سفيان البقالي الميدالية الفضية في سباق 3000 متر موانع، ضمن بطولة العالم لألعاب القوى في طوكيو، مسجلاً توقيتاً قدره 8:33.95. وجاءت الميدالية الذهبية للعداء النيوزيلاندي جوردي بياميش بفارق ضئيل جداً، فيما ذهبت البرونزية للعداء الكيني إدموند سيروم، بينما احتل المغربي الآخر صلاح الدين بن يزيد المركز الخامس.

وللوهلة الأولى، تبدو هذه النتيجة بمثابة انتصار جديد للبطل المغربي الذي لطالما اعتاد على التتويج بالذهب. لكن عند التدقيق في التفاصيل، يثار سؤال محوري: لماذا اكتفى البقالي بالفضية هذه المرة، رغم أنه كان مرشحاً قوياً للذهب؟

سيناريو السباق: لحظات فارقة وتحديات غير متوقعة

المتابع للسباق يلاحظ أن البقالي اختار استراتيجية البقاء في ذيل الكوكبة حتى آخر لفاتين، في مواجهة مرتقبة مع الإثيوبي لاميتشا غيرما، حامل الرقم العالمي. لكن السرعة النهائية المفاجئة لبياميش قلبت التوقعات رأساً على عقب، وفصلت بينهما فرقاً ضئيلاً بلغ 0.07 ثانية فقط.

هنا يبرز سؤال آخر: هل كان اختيار البقالي للبقاء في الخلف استراتيجية محسوبة أم أنها أثرت على قدرته على الانطلاق بقوة في اللحظات الحاسمة؟ وهل يمكن أن تكون عوامل نفسية أو تكتيكية وراء هذا القرار؟

العوامل المحتملة وراء “النزول” من الذهب إلى الفضة

  1. الإعداد البدني والفني: البقالي أكد أنه بذل كل جهده ولم يدخر أي تضحيات، وأنه شعر بصعوبة في تجاوز الحاجز الأخير بشكل مثالي. هل يمكن أن يكون التعب المتراكم أو الضغط النفسي بعد عامين من البطولات الكبرى قد أثر على أدائه؟

  2. التكتيك والخبرة: سبق للعداء المغربي أن توج بالذهب مرتين متتاليتين، لكن السباقات المقبلة تختلف دوماً في التفاصيل. سرعة بياميش النهائية كشفت أن هناك منافسين يطورون أساليبهم بشكل متسارع، فهل كان البقالي مستعداً لمواجهة هذه المفاجآت؟

  3. الظروف الخارجية: الرياح، الطقس، أو توقيت السباق، كلها عوامل قد تؤثر على الأداء، خصوصاً في سباقات الموانع التي تتطلب توازناً عالياً بين السرعة والتقنية.

الرياضة: ربح وخسارة، وتضحيات لا تُقدّر

على الرغم من الفضية، يصر البقالي على اعتبار النتيجة “انتصاراً بحد ذاته”، مستنداً إلى سنوات من التدريب الجاد والتضحيات الكبيرة. كما وجه شكره للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى والشعب المغربي، مؤكداً أن الدعم المستمر يشكل عاملاً نفسياً مهماً للرياضيين.

مقارنة بالتوقعات السابقة

البقالي كان المرشح الأبرز للذهب، خصوصاً بعد تسجيله أفضل توقيت عالمي لهذه السنة (08:00.70) خلال ملتقى محمد السادس الدولي ضمن الدوري الماسي. كما أنه تصدر مجموعته في التصفيات بزمن 8:26.99، ما جعل الكثيرين يتوقعون تحقيق إنجاز تاريخي باللقب العالمي الثالث على التوالي، بعد الكينيين الأسطوريين موسيس كيبتانوي وإيزيكيل كيمبوي.

وهنا يبرز التساؤل الأعمق: هل التوقعات المبالغ فيها قد تشكل ضغطاً نفسياً على الرياضيين، يؤدي أحياناً إلى نتائج أقل مما هو متوقع، حتى لأبطال متمرسين مثل البقالي؟

ما بعد الفضية: دروس وتطلعات

فضية طوكيو تمنح البقالي فرصة للتأمل في أدائه، وتحليل الأخطاء الصغيرة التي قد تحسم البطولات الكبرى. كما تفتح الباب أمام تساؤلات حول دعم الرياضيين المغاربة، والاستعدادات المستقبلية للبطولات الدولية، خصوصاً في ظل المنافسة القوية والمتجددة بين أفضل العدائين العالميين.

ختاماً، تبقى الفضية ليست مجرد “خسارة” للذهب، بل شهادة على التفاني والتضحيات التي يصنعها الرياضيون يومياً، وعلى الطبيعة الديناميكية للرياضة، حيث الربح والخسارة وجهان لعملة واحدة، وكل سباق جديد فرصة لتصحيح المسار وتحقيق الإنجازات المنتظرة.