أوزين: التهميش يزرع اليأس في شباب المغرب.. والحصاد قادم

0
715

تحقيق معمَّق: قراءة في خطاب الغضب والواقع المُعاش

في قبة البرلمان، لم يكن خطاب محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، مجرد تدخل عابر في جلسة سياسية روتينية. بل جاء أقرب إلى “صرخة جماعية” تحمل هموم آلاف الشباب المغربي الذين يختبئون خلف صمتهم أو يعبّرون عن غضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. خطاب كشف عن شرخٍ عميق بين الوعود الحكومية والواقع اليومي، وأعاد طرح سؤال الثقة بين المواطن والدولة.

غضب متراكم وواقع متصدّع

أوزين استحضر مأساة جيل كامل يُوصف بـ”شباب النت”: شباب بلا شغل، بلا تكوين، بلا أفق. هو جيل لم يعد يصدق الشعارات، ويرى في السياسات العمومية مجرد “عناوين للاستهلاك الإعلامي” لا تُترجم على الأرض.

من غياب الطبيب لكل أسرة، إلى غلاء الأدوية وتردّي الخدمات الصحية، ومن ضعف التكوين الطبي الجامعي إلى هجرة الكفاءات نحو الخارج… كلها ملامح لواقع يشعر فيه الشباب بأن الدولة تخلّت عن مسؤولياتها الأساسية في توفير الكرامة.

التفاوت المجالي: مغرب متعدد السرعات

أوزين لم يتحدث من فراغ. من الفنيدق إلى سلا، ومن القرى النائية إلى الأحياء الشعبية، ما تزال التنمية تسير بسرعتين: مغرب رسمي يُجمِّل الصورة، ومغرب منسيّ يفتقر إلى البنيات الأساسية. هذا التفاوت الجغرافي والمجالي يعيد إلى الأذهان تجارب سابقة، مثل حراك الريف، حيث أدى التهميش المتراكم إلى احتجاجات انفجرت خارج الأطر التقليدية.

البطالة… عقدة الخريجين والشباب

إليك بعض الأرقام والدراسات التي توضّح حجم الأزمة:

  • معدل البطالة الوطني للمغرب بلغ 13.3٪ سنة 2024، مقابل حوالي 13٪ سنة 2023.

  • عدد العاطلين بلغ تقريباً 1.638 مليون شخص.البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة وصلت إلى حوالي 36.7٪ سنة 2024.

  • البطالة بين الخريجين بلغت حوالي 19.6٪.

  • البطالة بين النساء النشيطات أيضاً سجلت ارتفاعاً لتصل إلى 19.4٪ في نفس الفترة.

  • في الوسط الحضري، ارتفع معدل البطالة من حوالي 16.8٪ سنة 2023 إلى 16.9٪ سنة 2024. أما في المناطق القروية فكان المعدل أقل بكثير لكنه يشهد أيضاً ارتفاعاً طفيفاً من 6.3٪ إلى حوالي 6.8٪.

هذه الأرقام تعكس أن البطالة ليست مجرد مشكلة وظيفية، بل أيضاً مشكلة هيكلية تربط بين التعليم، التكوين، الجغرافيا (حضر/قُرى)، النوع الاجتماعي، والفرص المتاحة.

الصحة والتكوين المهني: الأرقام تكشف التحديات

إلى جانب البطالة، هناك معطيات مهمة تخصّ الصحة والتكوين الطبي، تظهر الفجوة بين البنية النظرية والسياسات المعلنة من جهة، وبين الأداء والواقع المعيشي من جهة أخرى:

  • دراسة أكاديمية بعنوان “Assessment of Technical Efficiency in the Moroccan Public Hospital Network” استخدمت أسلوب تحليل الكفاءة التقنية (DEA) على 77 مستشفى عمومي بين سنوات 2017-2020. النتائج أظهرت أن متوسط الكفاءة التقنية يقارب 0.697، مما يعني أن هذه المستشفيات بحاجة لتقليص بعض المدخلات (موارد بشرية أو تجهيزات) بحوالي 30.3٪ إذا أرادت أن تُنتِج نفس مخرجات الخدمات الصحية بنفس الكفاءة.

  • مؤشرات دولية، مثل موقع Numbeo، تُظهر أن المغرب في تصنيف الرعاية الصحية وحُسن أداء المنظومة الصحية ليست في موقع متقدم: تقرير نصف سنوي وضع المغرب في المرتبة 94 من أصل 99 دولة في جودة الخدمات الصحية، مع تقييم منخفض (حوالي 47 من مئة) لجودة الأداء، مقابل تقييم أفضل لهياكل النظام الصحي (حوالي 80.6).

فقدان الثقة وتآكل الوسائط

واحدة من النقاط التي شدّد عليها أوزين هي أن الاحتجاجات اليوم لم تعد تمر عبر النقابات أو الأحزاب. هناك جيل جديد يختار الشارع أو الفضاء الرقمي لتفريغ غضبه. هذا “الحراك غير المهيكل” هو انعكاس مباشر لغياب قنوات الوساطة الفاعلة، ما يجعل الغضب أكثر عفوية، وأحيانًا أكثر راديكالية.

هنا أيضاً الأرقام تدعم التحليل:

  • الشباب الذين “لا يشتغلون ولا يدرسون ولا يتلقون أي تكوين” (NEETs) يشكلون شريحة كبيرة، رغم عدم وجود رقم رسمي دقيق في كل تقريرٍ عام، إلا أن المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى أن جزءاً من العاطلين يدخل في هذه الفئة عند انتهاء الدراسة أو بسبب توقف النشاط.

  • التفاوت بين الوسط الحضري والقروي في الوظائف، التكوين والخدمات الصحية، يُفاقم الشعور بأن الجهات المهمشة تُعانِي ازدراءً أو إهمالاً من حيث التنفيذ والمتابعة.

مقارنات دولية مفيدة

لإعطاء بُعد أوسع:

  • في دول متوسطية أو أفريقيا متوسطية مماثلة من الناحية الاقتصادية، مثل تونس، إسبانيا أو البرتغال، تُقدَّم سياسات واضحة في التشجيع على التشغيل للشباب، برامج تكوين مهنية مرتبطة بالسوق، وشفافية في تتبُّع العقود ثم المتابعة. يمكن دراسة هذه التجارب كما يُدرس مدلول “الـ NEETs” في أوروبا، حيث تُستخدم برامج محددة لتقليص هذه النسبة وتذليل العقبات (التكوين – التمويل – التوجيه المهني).

  • كما أن من التجارب الناجحة دولياً هي تلك التي تستثمر في الصحة الأولية (مراكز صحية قريبة من المواطن، توفر الأدوية الأساسية، الأطباء القائمون بالخدمة في المناطق الريفية) وتربط بين التكوين الأكاديمي والتدريب المهني بشكل عملي – لا نظري فقط.

الأسئلة التي تُفرض نفسها مع هذه البيانات

مع هذه المعطيات، تزداد قوة التساؤل وتصبح المطالب أكثر إلحاحًا:

  • كيف ستتم معالجة البطالة الشبابية (36.7٪ بين الشباب 15-24 سنة)؟ هل توجد برامج وطنية مخصَّصة تتعلق بتكوين مهني متوافق مع تطور الأسواق المحلية والإقليمية؟

  • ما هي خطة الحكومة لتقليص الفوارق بين الأوساط الحضرية والقروية، خصوصاً فيما يخص الخدمات الصحية والتكوين المهني؟

  • كيف يُمكن تحسين كفاءة المستشفيات العمومية بحيث لا تُستهلك موارد كبيرة مقابل مخرجات خجولة؟ مثلاً تحسين إدارة الأطر الطبية، المختبرات، الربط الرقمي، المعدات، التكوين الميداني داخل الكليات والمرافق الصحية.

  • هل هناك آليات واضحة للشفافية والمساءلة في إنفاق الميزانيات الصحية والاجتماعية، كيف يُدار الدعم، وأين يذهب التمويل؟

  • كيف تستجيب الدولة لتنامي نسبة NEETs (الشباب الذي لا يعملون ولا يدرسون ولا يتلقون تكوينًا)، وكيف تُدرجهم في السياسات الاقتصادية والاجتماعية؟

  • ما هي السياسات التي تضمن ألّا يُصبح “الخروج” أو الهجرة خيار الشباب الوحيد للهروب من الواقع؟ وكيف تستفيد الدولة من الطاقات البشرية بدل أن تُفقدها؟

الخطر الأكبر: الراديكالية وآثار التهميش المستمر

إذا استمرت الهوة بين الخطاب الرسمي والواقع، وإذا ظلت البيانات تُقرّ بأزمات هيكلية دون إجراءات فعلية:

  • من الممكن أن يتحول الغضب إلى خطاب أكثر حدة، وربما إلى نوع من الاحتجاجات الراديكالية، كما رأينا في تجارب عربية أو إفريقية عندما يُحس الشباب أن الطرق الديمقراطية غير فاعلة.

  • الهجرة غير النظامية قد ترتفع، ليس فقط كخيار اقتصادي، بل كعلامة لألم ورفض، حيث يُنظر إلى الخارج كحلم أو مخرج، خصوصًا من المدن الحدودية مثل الفنيدق.

  • تقلص شرعية المؤسسات بالحكم، خاصة إذا بقيت السياسات الاجتماعية مجرد وعود انتخابية دون محاسبة أو شفافية، ما يعمّق الشعور بعدم المساواة والظلم.

خلاصة التوصيات

  • فرض أولويات واضحة: يُراعى فيها المناطق التي تعاني توسعًا سكانيًا سريعًا أو نقصًا في البنيات التحتية الصحية والتعليمية — مثل الفنيدق وسلا والمناطق القروية.

  • استثمار كبير وفعّال في الصحة الأولية، مختبرات التكوين، تجهيزات الكليات الطبية، وتحسين الموارد البشرية الصحية (أطباء، ممرضين، التقنيين) مع التركيز على التوزيع الجغرافي العادل.

  • برامج تشغيل للشباب — ليس فقط خلق مناصب شغل، بل ضمان أن تكون ذات جودة، مستدامة، مرتبطة بالتكوين والتقنيات الحديثة، وفرص ريادة الأعمال.

  • مراقبة الأداء والكفاءة في المستشفيات والعيادات، استخدام مؤشرات كمية ونوعية، ومشاركة المجتمع المدني والجهات المحلية في التقييم.

  • شفافية في الميزانيات، إطلاع المواطن على أين تذهب الأموال، ما هي النتائج الملموسة، مع عقوبات إذا تبين تقصير.

  • فتح قنوات تشاركية حقيقية مع الشباب: لجان محلية، منصات رقمية، مشاركة في إعداد السياسات وليس تلقيها، إشراكهم في الصياغة والمتابعة.

خاتمة: الإنذار المبكر أصبح واقعيًا

خطاب أوزين لا يُمثّل مجرد صوت معارض، بل انعكاس لصوت مئات الآلاف من الشباب المغربي الذي يرى الأرقام الحقيقية أمام عينيه: البطالة المرتفعة، ضعف الخدمات الصحية، التكوين غير الملائم، الهجرة كخيار أخير. إن لم تُسد الفجوة بين ما يُعلن وما يُنفَّذ، فإن الصراع على الكرامة قد يتحول إلى مواجهة بين المواطن والدولة، في ميدان يختار فيه الشباب أن يكون عنيفًا أو غاضبًا، وليس فقط مطالبًا.