لم تكن رسالة محمد أوزين إلى التحالف الحكومي مجرد خطاب حزبي عابر، بل أشبه بصفارة إنذار دوّت في قلب مشهد سياسي مرتبك. الرجل وصف ما نعيشه بعبارات قاسية: حكومة الكفاءات التي تحولت إلى “حكومة المكافآت”، لجان تتكاثر بلا جدوى، ووعود انتخابية ارتفعت إلى السماء ثم تهاوت إلى صمت القبور.
فهل هي مجرد معارضة تبحث عن الأضواء، أم تشخيص دقيق لفشل حكومي ينهش جسد المواطن؟
من قلب مفتوح إلى قلب مأزوم
أوزين اختار لغة الصراحة المفرطة، راسماً صورة قاتمة لبلد يئن تحت وطأة الغلاء والبطالة والانهيار الصحي والتعليمي. انتقد حكومة ترفع المؤشرات والأرقام في وقت لا يجد فيه المواطن ثمن الخبز أو سريراً في مستشفى. والأخطر أن الحكومة، وفق وصفه، لم تفشل فقط في التدبير، بل في فهم المواطن نفسه: “انسجامكم مع بعضكم لا يساوي شيئاً ما لم تنسجموا مع الشعب”.
حكومة الارتباك والقرارات المتناقضة
الرسالة تسرد سلسلة من القرارات التي تنقض نفسها: قرار اليوم ونقيضه غداً. ووزير الصحة الذي يعد بالحلول، ليغرق البلاد في متاهة “اللجان”. والنتيجة أن المواطن يدفع الثمن، لا من جيبه فقط، بل من عمره. وهنا يطل السؤال الأخطر: هل نحن أمام حكومة تدبر أم أمام “إدارة أزمات بالصدفة”؟
من مستشفى الموت إلى طائرة زاكورة
أكثر ما أشعل النقاش في رسالة أوزين هو المشهد السريالي لطائرة أقلّت طفلاً من زاكورة نحو الرباط. بدل أن يثير المشهد الاطمئنان، عمّق الشكوك: لماذا لم نر هذه الطائرات قبل احتجاجات أكادير؟ ولماذا لم تُحل المشكلة من جذورها؟ أوزين يلخصها بصرخة مدوية: “نريد مستشفى السويسي في كل الأقاليم، لا أن ننقل أبناء الأقاليم إلى السويسي”. إنها صيحة تعرّي عقوداً من التفاوت المجالي والتمييز التنموي.
هل المعارضة بريئة من دم الأزمة؟
لكن، وهنا مكمن الجدل، هل يحق لأوزين أن يوزع الاتهامات دون أن يعترف بدور المعارضة في المشهد؟ هل ما قاله مجرد تسجيل موقف على موجة الغضب الشعبي؟ أم محاولة لإعادة تموقع حزبه في سوق السياسة استعداداً للاستحقاقات المقبلة؟ خطاب أوزين يستعير قوة الشعبوية ليضرب الحكومة، لكنه لا يقدّم بدائل عملية.
بين الشعبوية والوقاحة السياسية
قد يكون أوزين محقاً في توصيفه لحكومة ثلاثية غارقة في التناقضات، لكن خطابه نفسه لا يخلو من “المزايدة السياسية”. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن رسالته وجّهت إصبع الاتهام إلى واقع مرير تحاول الحكومة التستر عليه بالشعارات. والسؤال الجدلي: هل نحتاج إلى حكومة جديدة فعلاً، أم إلى طبقة سياسية جديدة بالكامل؟
الخلاصة
رسالة أوزين أعادت إشعال فتيل النقاش السياسي. هي ليست مجرد انتقاد، بل إعلان صريح بأن “مرحلة التحالف الثلاثي” فقدت شرعيتها الشعبية. فإذا كانت الحكومة “غير منظمة” كما وصفها، فإن الخطر لا يقتصر على غلاء الأسعار وانهيار الخدمات، بل على اهتزاز ثقة المواطن في كل ما هو سياسي.